لا يُوصف تعامُل حكومة الرئيس حسان دياب مع اللبنانيين العالقين في الخارج، بغيرِ الظلم والتخلّي عن المسؤولية. وهي بذلك السّلوك، وغيره، تؤكّد أنها لن تكون أفضل من أسلافها: تعِد كثيراً، وتفعَل قليلاً.لا يكفي مثلاً أنها، أول من أمس، وضعَت خطّة سمّتها زوراً خطّة إغاثة تصدّقت بها على المواطِن اللبناني «ببخشيش» يسدّ به جوعَه في فترة الحجر المنزلي، عبرَ تخصيص مبلغ وقدره 50 مليون دولار فقط، تستطيع أي حملة تبرّعات أن تجمَع ضعفَيه، وهو أقل مِمّا تنفِقه الطبقة المهيمنة على سهراتها وأعراسها ونفقاتها الترفيهية!
بل إن الحكومة، وعلى لسان رئيسها، كانت تصرّ حتى يوم أمس على رفض التحرّك لمساعدة اللبنانيين في الخارج، متخلّية بذلك عن مواطنيها في أوقات الشدائد، كما تخلّى عنهم غيرها في أوقات الرخاء. وهؤلاء المغتربون ليسوا، أصلاً، عالةً على الدولة أو الحكومة، بل يشكّلون قطاعاً إنتاجياً يُدر مليارات الدولارات على لبنان، وتحمّلوا جور العقوبات الأميركية، وسرقة المصارف لودائعهم. ثمّ قرّرت الحكومة أن تتركهم لمصيرهم في بقعٍ تكاد مظاهر الدول تنعدم فيها، وتعيّرهم بالكلفة المادية والمعنوية التي ستتكبّدها مقابل إعادتهم.
رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أمس عبّر عن موقف رافض وعالي السقف تجاه الحكومة من خلفية أدائها في ملفّ المغتربين، بعد مواقف متعدّدة من أكثر من جهة في الأيام الماضية. ويبدو أن موقف برّي الحاد، يؤشّر إلى أن الأيام المقبلة ستضع الحكومة أمام اختبار ثقة من جديد، ويخلق أزمة سياسية تهدّد آخر الآمال على نجاة البلاد من تهديدات مصيرية. ووصل الأمر ببري إلى إمكانية «عقد جلسة استثنائية للمجلس النيابي، لإعادة النظر في قضية المغتربين اللبنانيين». وانتقد الحكومة قائلاً: «بالأمس وكأن الحكومة قد اخترعت البارود، مع أنها شكّلت الشذوذ عن كل دول العالم. فكل هذه الدول تقوم بالبحث عن مواطنيها لإعادتهم إلى بلادهم. أما نحن في لبنان فنسينا أن هؤلاء دفعهم إهمال الدولة أصلاً كي يتركوا لبنان، ومع ذلك أغنوها بحبهم ووفائهم وعرق جبينهم وثرواتهم».
ردّ رئيس الحكومة لم يتأخر، فاختار أن يردّ على بري خلال جولته في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، مؤكّداً أن الإجراءات المتخذة الآن في البلاد، لا تسمح بعودتهم، «لا نستطيع إجراء أي استثناء قبل نهاية فترة التعبئة العامة. وهذا الموضوع هو حماية للبنانيين في الخارج وحماية للبلد. وبكل الأحوال نحن ندرس تصوراً واضحِاً لهم قبل 12 نيسان». علماً بأن المغتربين يطالبون بالعودة وأكثر من جهة تؤكّد أنها على «استعداد لتحمّل كل التكاليف واتخاذ الإجراءات الكاملة والمُشددة من دون أن تُكلّف الدولة أكثر من إعطاء إذن بالهبوط في مطار بيروت»، وكذلك التعامل مع كل العائدين على قاعدة الإصابة وإدخالهم في الحجر الصحي والتقيّد بالإجراءات المعتمدة عالمياً ولبنانياً.
في عين التينة، لا يحتمل هذا الملفّ التأجيل، وأسباب كلام برّي هي أنها «تِخِنت ولا مبرّر للتبريرات التي يقدّمها دياب». مصادِر مقربة من رئيس المجلس لفتت إلى أن «موضوع المغتربين أخذَ أكثر من نصف الوقت خلال لقاء الرئيسين قبل يومين نظراً إلى أهميته بالنسبة إلى عين التينة». ولفتت إلى أن «دياب وعد بحلّه على عجل، وأكد أن لا مُشكلة في ذلك قبلَ أن نتفاجأ بتشكيل لجنة للبحث فيه»! مع العلم أن «الحديث مع دياب تخلله تأكيد على الاستعداد بمساعدة الحكومة وفقَ أي صيغة تراها مُناسِبة والتعهد بإلزام العائدين باتخاذ إجراءات مشدّدة، ولو استدعى ذلك حجرهم في المستشفيات الميدانية التي تقام في عدد من المناطِق». مع التأكيد أن «السماح للمُغتربين بالعودة هو أقلّ الواجب، وهو ما فعلته كل الدول العربية والأجنبية التي قامَت هي بإرسال طائرات تعيد مواطنيها إلى بلادهم. هكذا فعلت الكويت والسعودية وقطر والإمارات، والدول الأوروبية وسائِر البلدان حتى تلكَ التي وصل فيها انتشار الوباء إلى الذروة، ولم تتذرّع بالخوف من العدوى وارتفاع أعداد المُصابين».
دياب وعد بري بحلّ قضية المغتربين على عجل ثم فاجأه بتشكيل لجنة


وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن حزب الله لديه نفس موقف بري من هذه القضية التي كانَت مدار بحث بين وفد من كتلة «الوفاء للمقاومة» ضمّ النائبين أمين شري وإبراهيم الموسوي، زار رئيس الحكومة.
وكان لرئيس تكتّل «لبنان القوي» الوزير السابق جبران باسيل موقف داعم للمغتربين، عبّر عنه في تغريدة اعتبر فيها أنه «لا يمكن لبلد أن يمنع عودة مواطنيه إليه، وأن من واجب الحكومة تأمين هذه العودة، وعلى السفارات تسجيل أسمائهم وعلى MEA تسيير رحلات خاصة بهم، وعليهم الخضوع لبروتوكول فحوصات وحجر لحماية أهلهم». لكن هذا الموقِف لم يقترِن بخطوة عملانية، إذ أن وزير الخارجية ناصيف حتّي، المحسوب على فريق رئيس الجمهورية أتى رأيه لصالح دياب.
في المقابل، سجّل حزب الكتائب موقفاً متقدماً، إذ أكد رئيسه سامي الجميل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن «من واجبات الدولة إعادة أبنائها إلى بلدهم، إن كانوا معافين أو مصابين، ومن واجباتها أخذ الاحتياطات لتأمين ذلك»، علماً أن الجميل كانَ من أول المطالبين بإغلاق المطار. وقد أشارت مصادر كتائبية إلى أنه «لا يُمكِن اتخاذ قرار بالإقفال الشامل ولا إعادة حركة الطيران بشكل عادي، بل نحن مع استئناف حركة الطيران بشكل جزئي للسماح لمن يريد من المغتربين العودة».
وبينما كرّرت مصادر رئيس الحكومة التبريرات ذاتها، أشارت في اتصال مع «الأخبار» إلى «اجتماع سيضم وزيرَي الصحة والخارجية مع اللجنة المكلّفة بمتابعة الملف اليوم، على أن يُصار بعده الإعلان عن آلية التعامل مع المغتربين».