الحرب على «كورونا» تدار على جبهتين: طبية وتكنولوجية. وفيما تظهر كل المعطيات العلميّة وحتى أكثرها تفاؤلاً أن على البشرية انتظار أشهر لحين إيجاد علاج فعّال وحاسم، فإن الهم بات منصباً الآن على كيفية إعادة الحياة إلى نسقها الطبيعي، أو أقلّه الحد من حالة الحجر التي أدت، للمرة الأولى في التاريخ، إلى عزل حوالى 3.5 مليارات إنسان في منازلهم. المعطيات كافة تشير إلى أن أكبر الشركات في العالم وأقواها لن تقوى على الاستمرار لمدة طويلة في ظل الوضع الراهن، حالها حال أغلب الحكومات التي تقع تحت ضغوط متزايدة، صحياً واقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن الأعداد المتزايدة للعاطلين عن العمل حول العالم. كل ذلك، وفي انتظار «بشارة العلاج»، دفع بتكنولوجيا الاتصالات والتطبيقات الهاتفية إلى الواجهة في المعركة ضد الوباء.لذلك، يبدو أن الحل المؤقت لعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً الذي باتت دول كثيرة تعوّل عليه سيكون تكنولوجياً قبل أن يكون طبياً، من خلال تطبيقات على الهواتف الذكية تمنح حامليها القدرة على تحديد وجود مصاب بالفيروس في محيطهم للابتعاد عنه، وتساعد في حلّ المعضلة الأكبر التي تواجهها الحكومات والأطقم الطبية، وهي صعوبة إجراء الاختبارات بشكل واسع وسريع وشبه استحالة تتبع الأشخاص المصابين ورصد كل من اختلطوا معهم، إذ طالما أن أكثر من نصف حالات العدوى تنتقل من مصابين لا يحملون عوارض المرض، فإن محاولة ضبط التفشي بشكل مطلق ستكون شبه مستحيلة في ظل الإجراءات التي تتبعها غالبية الدول حالياً.
سباق في دول الغرب على استنساخ التجربة الصينية في «ملاحقة» المصابين


بعبارات تبسيطية، تتم عملية الرصد التكنولوجي على الشكل الآتي: تسجّل الهواتف الذكية موقع المستخدم الذي، في حال بيّنت الفحوصات إصابته بالفيروس، تتم مشاركة سجل تحركاته الأخيرة مع المستخدمين الذين تُظهر بياناتهم أنهم كانوا قريبين منه في الأيام الماضية ويُنصح هؤلاء بحجر أنفسهم فوراً. ورغم الثغرات التي تعتري هذه «الاستراتيجية»، وخصوصاً لناحية تحديد المسافة بين شخصين كانا في المحيط نفسه، وكيفية تخزين البيانات ومن هو مخوّل الاطلاع عليها، وضمان سرية المستخدمين... إلا أنها أثبتت جدواها ونجحت بشكل كبير لدى اعتمادها في الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية، رغم الانتقادات الغربية بذريعة إمكان استخدام هذه التقنيات لاختراق خصوصية المواطنين وإخضاعهم لمراقبة أوسع من قبل الحكومات. إلا أن تحوّل القارة العجوز وبلاد العم سام إلى بؤرتَي الانتشار الرئيسيتين للوباء بشكل بات يصعب احتواؤه بالطرق التقليدية، يبدو أنه سيدفع بالمنتقدين إلى لحس انتقاداتهم، إذ بات السباق محموماً في أوروبا والولايات المتحدة لتصميم تطبيقات مماثلة، مع «مراعاة الخصوصية والسرية».

أحدث المبادرات الأوروبية في هذا السياق إعلان تأسيس منظمة
( Pan-European Privacy Preserving Proximity Tracing) PEPP-PT غير الربحية في سويسرا: وهي تضم، بحسب هانس كريستيان بوز أحد أعضاء المجلس الاستشاري الرقمي للمستشارة الألمانية أنجيلا مركل، 130 باحثاً أوروبياً من 8 دول (فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، النمسا، سويسرا، بلجيكا والدنمارك)، أعلنوا أنهم سيطلقون في السابع من نيسان الجاري منصة تقنية للهواتف الذكية تسمح بتعقّب الأشخاص الذين اتصلوا مع مصابين بالفيروس للحد من انتشاره داخل هذه الدول وعبرها. بوز أكد لمجلة «دير شبيغل» الألمانية أن المنظمة «لا تهدف إلى إطلاق مجرد تطبيق، بل أن تخلق معياراً عاماً يمكن لبقية التطبيقات التي ستنشأ للهدف نفسه الارتكاز عليه». وأوضح أن التطبيق سيعمل بواسطة تقنية البلوتوث، وسيقوم بإنذار المستخدم بأنه يقف قريباً من شخص ثبتت إصابته مخبرياً بفيروس «كورونا»، شرط أن يكون هذا الأخير مستخدماً للتطبيق أيضاً. التطبيق، وفق بوز، سيكون التطبيق متوافقاً والقواعد الأوروبية لحماية البيانات، وسيكون استخدامه اختيارياً، وهو يضمن السرية وعدم كشف اسم المستخدم أو المصاب، ومنع أي نقل للبيانات بين الهواتف. إلا أن التحدي أمام التطبيق يتمثّل في إقناع العدد الأكبر من المستخدمين بتنزيله، إذ يشير الخبراء إلى ضرورة أن يستخدمه بين 40% و60% من السكان لكي يكون فعّالاً.
بدورهم، أكّد« باحثون من جامعة أوكسفورد أن الأساليب التقليدية المتبعة من قبل وزارات الصحة والقطاعات الطبية حول العالم توفر بيانات غير مكتملة ولا يمكنها مواكبة وتيرة تفشي الوباء. ونصح هؤلاء باستخدام تطبيقات تعتمد تقنية البلوتوث للحد من انتشار الفيروس.
وأطلق فريق باحثين من جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT برئاسة عالم الحاسوب رامش راسكار نموذجاً أولياً لتطبيق اسمه Private Kit قادر على تخزين ما يصل إلى 28 يوماً من بيانات موقع GPS الخاص بالمستخدم والتي يتم تسجيلها كل 5 دقائق. وإذا كانت نتائج فحوصات الفيروس إيجابية، يمكن للمستخدم اختيار مشاركة بياناته الأخيرة مع مسؤولي الصحة لتحديد الأماكن التي قد يكون الآخرون فيها معرّضين لخطر الإصابة ونشرها.
وفي ألمانيا، سيعتمد تطبيق GeoHealth قيد التطوير جزئياً على بيانات الموقع التي يخزنها موقع غوغل لمستخدميه، حينها يمكن للشخص الذي تثبت إصابته بالفيروس أن يستخدم التطبيق للتبرّع وكشف سجل موقعه الذي سيجري تخزينه في خادم مركزي. بعدها يتم تسجيل حركة المستخدمين في سجل الأشخاص المصابين، حيث سيعرض عليهم التطبيق تنبيهات مرمّزة بالألوان تبين مدى احتمال إصابتهم بالفيروس.