دخول الاقتصاد العالمي في شبه غيبوبة، لم يحل دون مواصلة كثير من الشركات لعملها (ولو بحجم أقل) عبر التجارة الإلكترونية وخدمة الديليفري. ولأن واحدة من المقولات الشهيرة في عالم التسويق تنصح بأن «لا تبحث عن زبائن لمنتجاتك، بل ابحث عن منتجات لزبائنك»، ولأن الجميع اليوم باتوا «زبائن» بلا قدرة على الوصول الى المنتجات، تحوّل فيروس «كورونا» مادة دسمة للتسويق التجاري، تتسابق فيه اعلانات و«عروضات» تدّعي توفير كل مستلزمات الحجر المنزلي «المثالي».فعلياً، يعمل بعض الشركات على إشعار «المحجورين» بأن منازلهم باتت أشبه بأماكن استجمام، ما يفرض إعادة ترتيبها لتتناسب وإقامتهم الطويلة، وهي تلعب على القلق السائد من الفيروس لدعوة المستهلكين الى إنفاق المال ما دام «الموت على الأبواب»!
هكذا، تزخر وسائل التواصل الاجتماعي بصور معدات رياضية وآلات تعقيم متطورة توفر عناء «الفرك» والغسل، وصولاً الى الأثاث المنزلي «المريح» والملائم لحجر منزلي قد لا يكون قصيراً.
شركات كثيرة تحاول استغلال فترة الحجر لتسويق منتجات وسلع قلما يلتفت المرء اليها في «الأيام العادية». كثيرون، مثلاً، لم يعودوا يرضون بالتلفزيون الذي يملكونه في المنزل، وباتوا يشعرون بحاجة الى أن يكون «رفيق الحجر» الأساسي «ذكياً» (Smart)، ليتمكنوا من مشاهدة مسلسلاتهم المفضلة على Netflix. نظرة إلى صفحات شركات الأدوات الكهربائية تكشف «هجمة» المستفسرين عن التلفزيونات «اللقطة»، علماً بأن التدقيق في الأسعار يكشف بوضوح التسعير العشوائي الذي تعتمده كل شركة، وفق سعر صرف الدولار الذي يناسبها. كما أن أياً منها لا تقدم تسهيلات، بل تشترط الدفع نقداً. والأمر نفسه ينطبق على مختلف القطاعات، كما في مجال المعدات الرياضية التي تشهد إقبالاً كبيراً هذه الأيام.
«العروضات» لم تقتصر على الشركات التجارية، بل تعدتها الى قطاعات أخرى غلّفتها بـ«التعاطف»، خصوصاً في ما يتعلق بالعاملين في القطاع الطبي مثلاً. وبصرف النظر عن النيات الحسنة لبعض أصحاب هذه «المبادرات»، الا أن الواقع أنه لا يمكن الاستفادة منها أبداً، اللهم إلا في الترويج الاعلامي. من ذلك، على سبيل المثال، إعلان أحد اختصاصيي التغذية عن «عرض» لمعاينة الأطباء والممرضين مجاناً. ولكن، بما أن عيادة الاختصاصي مقفلة الآن، فعلى الأرجح أن المعنيين، حين ينتهي «زمن كورونا»، سيكونون قد نسوا العرض واسم صاحبه! أضف إلى ذلك صعوبة التأكد من أن كل من بادروا سيلتزمون بما وعدوا به لاحقاً. ومن قد يبالي حين تعود الحياة إلى صخبها وينسى كثيرون المحنة؟
قد يقع البعض، تحت ضغط الخوف والقلق، في فخ التسويق. إلا أن كثيراً من المسوقين اللبنانيين يتجاهلون ما أظهرته دراسات حديثة على المستهلكين في زمن «كورونا»، بيّنت أن ما يهم هؤلاء هو سلوكيات الشركات وكيفية تعاطيها مع الأزمة، وألا تظهر كأنها تستغل خوفهم وضعفهم لتحقيق الأرباح.
يقال إن «أفضل طريقة للتسويق هي ألا تظهر بأنك تسوّق»، وهو أسلوب لجأ إليه كثير من الشركات الضخمة حول العالم، التي أجادت اللعب على وتر الإنسانية، مفضّلةً تحمّل خسائر مرحليّة مقابل اكتساب ولاء المستهلكين واحترامهم لاحقاً. ففي ألمانيا، مثلاً، أعارت «ماكدونالدز» عدداً كبيراً من موظفيها إلى شركة «ألدي» للتجزئة للمساعدة في إعادة ملء رفوف متاجرها بشكل أسرع. وحولت العديد من كبريات الشركات كـ«جنرال موتورز» و«مرسيدس فورمولا وان» و«لويس فيتون» وغيرها مصانعها وخطوط إنتاجها لصناعة أجهزة التنفس ومستلزمات وقاية شخصية، كالمعقّمات والكمامات، فيما تستغل الشركات اللبنانية خوف اللبنانيين للتخلص من «ستوكات» مستودعاتها!