أقرّت الحكومة، أخيراً، قانوناً معجلاً مكرّراً أحيل على مجلس النواب لدعم المدارس الخاصة، ويقضي بتحويل 350 ملياراً لتغطية رواتب المعلمين في المدارس الخاصة المتعثرة، ونحو 500 مليار ليرة منح تعليم لموظّفي القطاع العام تذهب غالبيتها إلى المدارس الخاصة غير المجانية. وإذا افترضنا أن المنح تبلغ 350 مليار ليرة أيضاً، فهذا يعني أن هناك نحو 700 مليار ليرة ستحصل عليها هذه المدارس من خزينة الدولة، بمعدل 1,4 مليون ليرة عن كلّ تلميذ (502 ألف تلميذ).ليست معروفة بعد شروط الحصول على المساعدة، إذا أُقرّ القانون، ولا آلية توزيعها أو تفاصيل التوزيع وضوابطه. إلا أن الواضح، بحسب وزير التربية طارق المجذوب، أن هناك 800 ألف ليرة عن كل تلميذ ستوزع على المدارس المتعثّرة، وتُخصص لرواتب المعلمين.
ومع الأخذ في الحسبان أن القانون يعفي المدارس من اشتراكاتها لصندوق التعويضات والضمان لهذا العام، وأن بدلات النقل لهذه السنة تغطّي فقط نصف أيام التدريس في أحسن الأحوال (8000 ليرة يومياً)، يمكن، بحسبة بسيطة، أن نتبيّن أن هذه المساعدة ستزيد أرباح المدارس الخاصة قبل أيّ أمر آخر. كيف؟
إذا افترضنا أن متوسط راتب المعلّم في الابتدائي والمتوسط هو 2,5 مليون ليرة (مع الدرجات الست)، وأن الشعبة في مدرسة متوسطة تحتاج إلى ساعات تعليم يغطيها 1,5معلم، فهذا يعني أن كلفة الصف الواحد تبلغ 3,75 ملايين ليرة شهرياً أو 45 مليون ليرة سنوياً. وإذا كان معدّل الشعبة 30 تلميذاً، فإن الدولة، بحسب القانون المقترح، ستقدم 24 مليون ليرة للشعبة، وستجمع المدرسة من المنح المدرسية المبلغ نفسه ليصل المجموع إلى 48 مليون ليرة، وهو ما يتجاوز رواتب المعلمين لـ 12 شهراً من دون التقديمات والملحقات الإضافية.
ومع افتراض أن 60% من الأهالي سدّدوا القسط الأول والثاني (70% من إجمالي القسط المقدّر بـ 4 ملايين ليرة)، يكون مجموع ما تم جمعه من أقساط نحو 50 مليوناً للشعبة، تضاف إلى الـ 48 مليون ليرة المدفوعة من خزينة الدولة، ليصل مجموع ما تحصّله المدرسة للشعبة الواحدة إلى 98 مليون ليرة، وهو ما يتجاوز الرواتب التي تصل إلى 45 مليوناً كحد أقصى.
أمّا في المدارس الصغيرة التي تضم شعباً أقل سعة (بين 15 و25 تلميذاً)، يصل ما تدفعه الدولة وفق القانون المقترح ومنح التعليم إلى 28 مليون ليرة للشعبة، وما يدفعه الأهالي من أقساط إلى 33 مليوناً، أي ما مجموعه 61 مليون ليرة للشعبة.
في الحالتين، ومع احتساب متوسّط راتب المعلم مع الدرجات الست (وهذا مغاير للواقع)، ستحتفظ المدرسة بمؤونة ربحية تتراوح بين 15 مليون ليرة و53 مليوناً عن كل شعبة!
بالتأكيد هناك مدارس متعثّرة، ولا سيما تلك التي تضمّ أقل من 15 تلميذاً في الشعبة الواحدة. ولكن العديد من هذه المدارس الصغيرة تخالف القوانين لتستمرّ، عبر قضم رواتب المعلمين، ناهيك عن أن هناك 173 مدرسة من أصل 1061 لا تتوافر فيها الشروط الدنيا لتمارس التعليم، ولكنها تستمر بـ«قدرة قادر»! (إجمالي عدد تلامذة أقل من 10، عدد المعلمين أقل من عدد الشعب...).
مشروع القانون يفتقر إلى العدالة فهو لا يعفي الأهل من دفع الأقساط ويدعم التعليم الخاص من جيب كل مواطن


وفي المقابل، هناك مدارس كثيرة، خصوصاً شبكات المدارس الكبرى، تضم لوائح مضخّمة للمعلمين مضخّمة عبر إدراج أسماء وهمية في لوائح صندوق التعويضات لتضخيم بند الرواتب والأجور والأقساط في موازناتها.
مشروع القانون الذي تقدم به وزير التربية يفتقر إلى العدالة. فهو لا يعفي الأهل من دفع الأقساط، وما ستدفعه الخزينة لدعم التعليم الخاص سيأتي من جيب كل مواطن، سواء كان يستفيد من هذا التعليم أم لا يستطيع إليه سبيلا. فيما بات معلوماً للجميع أن كارتيل التعليم الخاص جنى ويجني أرباحاً طائلة تفوق مخيلتنا الصغيرة، ومع الإقرار بأن عدد المدارس المتعثرة كبير، ولكنه يبقى مقدوراً عليه إذا ما تم تحييد المدارس المزيفة، والمدارس المتوسطة والصغيرة (نحو 700) التي يتبع نصفها تقريباً لشبكات تربوية كبيرة، ما يقلّص عدد المدارس التي تحتاج إلى دعم إلى 350 مدرسة فقط تضم أقل من 100 ألف تلميذ.
المطلوب العودة إلى أصل المشكلة، وهي الموازنات المدرسية التي - في غالبيتها - تخالف القانون وتتضمّن مبالغات كبيرة وأرباحاً طائلة جنتها المدارس الخاصة على مدى سنوات تحت مسميات عدة. عندها، يمكن أن نتخيل ماذا تستطيع أن تقدّم 700 مليار ليرة للتعليم الرسمي 5ونهضته، إذا ما ترافقت مع خطة تربوية وإنمائية وإصلاح إداري شامل للوزارة وتوظيف كفاءات ومناهج محدّثة، لتوفير تعليم رسمي متميّز يعفي المواطنين من فاتورة مدرسية تقضم ثلث رواتبهم.

* باحث في التربية والفنون