لم تلحظ خطة وزارة التربية للعودة إلى المدرسة دوراً لمنصة التعلم الرقمي. إذ يبدو أن هناك افتراضاً مسبقاً بعدم جاهزيتها، فيما الفترة الفاصلة عن بداية العام الدراسي كافية لتصبح جاهزة وفي متناول المعلمين والتلامذة.وزير التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء يريدان المنصة. لكن المشكلة الأساسية تكمن في كلفتها. فالمنصة المنشورة اليوم على موقع المركز التربوي تشبه سلة رقمية تحوي موارد تعليمية على طريقة من كل وادٍ عصا، وقد وضعتها الشركات العالمية للعموم مجاناً في ظلّ أزمة «كورونا»، وهي مصمّمة أساساً لدعم مناهج أجنبية وعالمية. وإن تشابهت مع المحتوى التعليمي الرسمي، إلّا أنها تتماشى أكثر مع المدارس الخاصة التي تعتمد مناهج أجنبية وتفتقر إلى الموارد باللغة العربية. ولو كانت المنصة مدفوعة فإنّ كلفة رخص (Licences) الموارد التعليمية من الشركات الموجودة على المنصة التعليمية اللبنانية ستتجاوز 10 ملايين دولار سنوياً لمليون تلميذ.
تندرج هذه الموارد الأجنبية ضمن سياق تربوي ومنهجية تعليمية قد لا تتلاقى مع نظيرتها اللبنانية، فنحن ما زلنا في مرحلة تطوير مناهجنا التي مرّ عليها 23 عاماً من دون تقييم وتحديث.
وثمة إشكالية أساسية تكمن في اعتبار المنصّة التعليمية مسألة تقنية، فيلجأ المعنيون إلى تقنيي البرمجة وتكنولوجيا التعليم، وتركز الاجتماعات التحضيرية والمناقصات على الجانب التقني، فيما العناصر المؤثرة في المنصّة غير حاضرة، وكأن المنصّة الإلكترونية هي لإدارة الموارد التعليمية والداتا، وليس المحتوى وإدارة المحتوى وطرق التعليم والمناهج.
ما يجب أن نعرفه أن المنصّة هي الوسيط الذي يُظهّر المحتوى والمناهج وطرق التعليم وإدارتها، ويسهّل استخدام الموارد الداعمة للعملية التعليمية وإدارة الداتا وسبل تقييمها، كما تقديم المحتوى بشكل محبّب وسهل الاستعمال للمعلم والتلميذ والإداري على السواء، وليست بأيّ شكل من الأشكال بديلاً عن المعلّم بل مساعداً له.
إذاً، المحتوى وطرق التعليم والمناهج وإدارة العملية التعليمية والمقاربات التعليمية هي الأساس. وطالما أننا نفتقر إليها ولم نحدّثها ونطوّرها، فنحن حتماً غير جاهزين. أمّا المنصّة فليست الهدف، ويمكن لرؤية ذكيّة التكيّف مع أي منصّة تعليمية ناشطة مثل مايكروسوفت أو غوغل، من دون تكاليف باهظة (أكثر من مليون دولار لتصميم منصة وإنشائها!)
وبدلاً من دفع رخص سنوية للموارد (أكثر من 10 ملايين دولار)، يمكن بسهولة إنتاج موارد محلية مكيّفة مع مناهجنا وحاجاتنا التعليمية بكلفة أقل بكثير. ففي لبنان، لا نفتقر إلى طاقات تربوية، ولكن نحتاج إلى رؤية وإدارة هذه الطاقات خارج أنماط الشركات والمصالح والأرباح والمحاصصات أو المعالجة التلقينية المعتمدة في مقارباتنا التربوية.
فمقاربة الشركات الربحية التي تتعمّد تعقيد إنتاج المنصة التعليمية لها أهداف ربحية، بينما هي موجودة، وهناك العديد من المدارس الخاصة تعتمدها، كما بعض المدارس الرسمية. ومسألة تدريب المعلمين على استخدامها يدخل ضمن تعقيد الشركات لعملية الإنتاج. لا تحتاج المنصة إلى برنامج تدريب عندما يكون تصميمها سهل الاستخدام، فغالبية المعلمين يعرفون كيفية استخدام برامج «ويندوز»، فليكن المدخل من هنا، أما المخرّجات/ التطبيقات فيفترض أن تكون سهلة وبسيطة للتلامذة.
حلّ كلّ هذه الإشكاليات يحتاج إلى وظيفة مفقودة هي «التصميم التعليمي» الذي يقضي بجمع المكوّنات الأساسية لضمان عمل المنصة الرقمية، وهي المحتوى والموارد والشكل. هذه الوظيفة تضع المحتوى في الشكل والطريقة والإطار المناسبين لتحقيق الأهداف التعليمية عبر وسيط رقمي وواجهة استخدام تفاعلية وبسيطة. في الواقع، لم نرَ المصمم التعليمي في أي من الاجتماعات أو التحضيرات علماً بأنّه الأساس لتنسيق وإبداع العملية برمّتها.
قد يبدو هذا الكلام تافهاً لخبراء تكنولوجيا التعليم، فهم لا يرغبون في سماعه باعتبار أنه يحطّ من جهودهم وقيمة عملهم. لكن، لنفترض أن هذا التصميم التعليمي والتطبيق والرؤية أُنجز ببساطة فكان مرناً، مطواعاً، متكيّفاً وسهل الاستخدام للمعلمين والتلامذة. فهل المحتوى جاهز؟ هل المقاربة التعليمية وطرق التعليم جاهزة، هل مناهجنا محدّثة؟ مكيفّة لتكون رقمية؟ طبعاً لا، فتجربة التعليم عن بعد التي قدّمها المركز التربوي والوزارة لم تكن مؤشراً ولا حتى محاولة بحثية لرقمنة المناهج. وهل المنصّة المؤقتة جاهزة ومكيّفة مع المناهج اللبنانية؟ سهلة الاستخدام؟ أم هي عدد لا متناهٍ من الروابط التي تقودنا إلى روابط أخرى؟
كلّ ذلك يشير بوضوح إلى ضعف في كفاءة العديد من المديرين القائمين على المديريات والمركز التربوي منذ سنوات عدة، من دون إنجاز واجباتهم. ولا يكفي تعداد الإنجازات في لوائح طويلة، بل يجب معرفة المخرجات سواء في السياسات التربوية أو تطوير المناهج أو تفعيل الأقسام، فيما يبدو واضحاً أن الهمّ الأساسي للمديرين والوزراء المتعاقبين كان المناكفات والمحاصصة وتغطية الفاسدين.
لم نتطرق إلى المشاكل الأخرى التي تعترض فعالية المنصة كالكهرباء وتوفر الأجهزة والإنترنت، فلكل مشكلة خصوصيتها، ويبدو شبه مستحيل توفير الظروف المناسبة للجميع، بما فيها إنجاز المنصة التعليمية... الأمر يصبح ممكناً عندما تكون المهام الأساسية منجزة، ونتحدّث عن المقاربة الرقمية التفاعلية للمناهج وطرق تعليمها.
*باحث في التربية والفنون