أمس اجتمع نوّاب الأمة ليقوموا بمهمتهم الرئيسية: التشريع. هذه المهمة أرادوا استئنافها، بعد أن اعتكفوا عنها عام 2013، إذ اجتمع المجلس النيابي مرتين فقط ليمدّد لنفسه.الباكورة كانت تشريع الاغتصاب الزوجي بتكريس ما يسمى «الحقوق الزوجية الجنسية» للرجل، لأول مرّة في قانون مدني، وتمّ تعميم هذه الحقوق بوصفها حقاً يمكن الرجل أن يستوفيه من زوجته متى شاء.

كذلك منعوا الضحيّة من حضانة أطفالها التي ربطوها بالسن المحددّة في كل طائفة. وأخيراً قرروا شطب المرأة من القانون ليتحوّل إلى «قانون حماية سائر أفراد الأسرة من العنف الاسري». حتى الساعة 10:20 كان المشاركون في الاعتصام الذي نظمته جمعية «كفى»، لمواكبة جلسة الهيئة العامة، لا يعرفون مكان التجمّع. فجميع الطرقات المؤدية إلى رياض الصلح وساحة النجمة مغلقة ومحصَّنة بعناصر أمنيين وآليات جاهزة لمواجهة أي تحرّك، والسبب «مستجدات أمنية». وإذا حاولت الدخول يأتي جواب أحد العناصر الأمنيين مناسباً للأجواء «كفى. لا يمكنك المرور من هنا». الجميع لا يعرف أين يتّجه، إلى أن وصلت رئيسة الجمعية زويا روحانا التي تمكنت من الدخول مع ثلاث نساء هنّ المحامية ليلى عواضة وفاتن أبو شقرا وإقبال دوغان لمواكبة الجلسة من داخل المجلس النيابي. تمكّن المياومون من التقدّم باتجاه الساحة أكثر من «كفى» التي قررت أن تنقل الاعتصام إلى حديقة «الإسكوا»، بالرغم من حصولها على ترخيص مسبق بالمكان. بدا المياومون مدافعين شرسين عن قضيّتهم عكس معتصمي حديقة الإسكوا الذين آثروا التحرّك الخجول والصامت ورفع اللافتات فقط، ما أضعف الصورة التي أسّسوها في مظاهرة الثامن من آذار.
اقتصر الحضور على عشرات الأشخاص مع وجود قليل للرجال، رفعوا لافتات ذكّرت بالنساء اللواتي متن جرّاء العنف الأسري، فحضرت مجدداً فاطمة وكريستال ومنال وغيرهنّ. كذلك حملت اللافتات اتهامات وتهديدات «صوتلنا لنصوتلك»، «كل دولة لا تجرّم العنف لا يعوّل عليها»، «رفضك للقانون شراكة بالجريمة»... ولُوِّنت أصابع المشاركين باللون الأحمر «لون جراح النساء وآلامهنّ»، بدل الحبر الانتخابي الأزرق. التشاؤم سيطر على المكان، فالموجودون يعلمون في قرارة أنفسهم أنّه لن يتم التصويت على القانون مع التعديلات الاساسية التي يطالبون بها، إذ تقول الناشطة في الجمعية سوسن خنافر «نتوقّع أن يُقرّ القانون لكن من دون التعديلات المطروحة، إذ إنّنا فوجئنا أوّل من أمس بأن عدداً من النواب الذين وقّعوا على التعديلات المطلوبة سوف يتراجعون عن قرارهم، مثل سامي الجميّل الذي رأى أنّ عدم تخصيص النساء في القانون ليس مشكلة». هذا الموضوع حظي باهتمام نساء غير لبنانيات أيضاً توجهن إلى الاعتصام بعد أن شاركن في مظاهرة الثامن من آذار الشهر الفائت. فأزادي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان في إيران والتي تقطن حالياً في لبنان، ترى أنّ «حقوق الإنسان هي نفسها في كل مكان، ويجب النضال للحصول عليها أينما وجدنا. وفي حال لم يصوّت النواب على القانون فلتدمّروا البرلمان». أمّا فيرلوت، السيدة الفرنسية الأربعينية، فلا تتوقع إقرار القانون، فـ«المشكلة في لبنان هي الطوائف التي تتصدّى لأي محاولة تهدف إلى تحرير المرأة. أنا هنا لأنني أنبذ العنف تجاه أي شخص وليس فقط النساء. يجب أن يتم تداول الموضوع بشكل كثيف في الجامعات والمدارس وتوعية الجيل الجديد على مخاطر العنف وما يمكن أن يؤسس له».
حوالى الساعة الثانية تبدّل الخجل والصمت ليظهر الغضب والاستياء جليّاً على وجوه الموجودين الذين أصابت توقعاتهم. فالقانون أُقرّ كما أرادته اللجان النيابية الفرعية والمشتركة مفرَّغاً من مضمونه، الهدف منه إسكات المطالبين به. التعديلات التي لم تتمكن من خرق القانون تمحورت حول 4 مطالب أساسية هي تخصيص الحماية للنساء، عدم ربط حماية الأولاد بسن الحضانة، ربط قرارات الحماية بالنيابات العامة أو بقضاة متخصصين في مسائل العنف الأسري يراعون في إجراءاته أصولاً خاصّة وليس بقضاة الأمور المستعجلة، وتجريم الاغتصاب الزوجي وإلغاء بند «استيفاء الحقوق الزوجية». فقانونياً، الضرب والإيذاء والقتل أمور مجرّمة في قانون العقوبات اللبناني حتّى من دون ذكر الأسباب، لذلك فإن عدم تخصيص القانون لحماية النساء لا يضيف شيئاً جديداً. تقول محامية جمعية «كفى» ليلى عواضة إنّ «القانون كما أُقرّ في الجلسة هو قانون مشوّه. التعديلات الأربعة التي طرحناها لم تمر، إذ إنّ مشروع القانون قُدّم ليكون مخصصاً لحماية النساء، ولم يقدّم تحت اسم «حماية سائر أفراد الأسرة من العنف الأسري». فالنساء لا ينقصهن أي تمييز إضافي ضدهن»، وتضيف «الحضانة أيضاً تمّ ربطها بالسن المحددة في كل طائفة، وأدخلوا المفاهيم الدينية على قانون عقوبات مدني، كذلك الأمر بالنسبة إلى استيفاء الحقوق الزوجية الذي يعتبر من الأمور المعيبة قانونياً وأخلاقياً، إلّا أنّ نوابنا لا يدركون معنى العيب». كذلك نقلت عواضة التي شاركت في الجلسة الأجواء في الداخل، لافتةً إلى أنّ «التحركات التي حصلت في الشارع استفزّت النواب الذين اعتبروها نوعاً من العنف، وهم مستاؤون منها، وهذا يؤكّد لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه لولا هذه التحركات ما كان ليقرّ أيّ قانون، حتّى هذا القانون المشوّه. هم يخافون منّا، يريدون إسكاتنا بأي شيء. بعض النواب لم يتجرأوا على الاعتراض خوفاً من الناس كي لا يقولوا إنهم صوّتوا ضد القانون». أمّا عن التحركات التالية على الصعيد القانوني فتقول عواضة «القانون تمّ إقراره وسيتمّ التعامل معه مثل أي قانون وضعي مع الاستمرار في تقديم اقتراحات تعديل الثغرات الموجودة. أغلبية النواب لم يقرأوا القانون، فهنيئاً للشعب اللبناني بهكذا مشرّعين!».
يدرك المعتصمون أنّ القانون بصيغته الحالية هو قانون فارغ وشكلي، ووجوده يكرّس الجرائم القائمة بصيغة قانونية تخفيفيّة. وترفض المنسّقة الإعلامية لجمعية «كفى» مايا عمار القانون الذي تمّ إقراره: «هذا ليس إنجازاً. 71 نائباً وقّعوا على التعديلات التي نريدها، لكنهم تراجعوا عنها في ما بعد. ما حصل في الداخل هو مسرحية، لم يتركوا أي مجال للنقاش، إذ إنّه أسرع قانون يتم إقراره في الجلسة، لأنهم يريدون تمريره من دون الملاحظات والتعديلات المطروحة وبالتالي فهو لا يؤمن أي حماية للنساء». هذا الغضب الذي عبّر عنه الجميع تجاه هذا القانون تُرجم باعتصام ثان عند الساعة الخامسة في ساحة رياض الصلح، حيث قام المعتصمون بوضع بصماتهم الحمراء على صور النواب الذين رفضوا التعديلات، معتبرينهم متواطئين في جميع الجرائم التي طالت وستطال نساء لبنان في حال بقي القانون كما هو.