الأسبوع الأول من التعليم عن بُعد في القطاع الرسمي لم يمرّ بسلام. الجميع متّفقون على أنّ الوضع استثنائي ويتطلّب جهداً استثنائياً، شرط ألّا يكون أصحاب القرار في وزارة التربية في واد، والأساتذة في واد آخر، متروكين «يقلّعون شوكهم بأيديهم»، على ما تقول مصادرهم.«فرمان» التحوّل إلى التعلم الكليّ عن بعد خلال فترة الإقفال العام، بين 11 تشرين الثاني و30 منه، لم يأخذ في الحسبان، أن أستاذاً قد يضطر إلى إعطاء درس من على شرفة منزله وهو يحاول «التقاط» إشارة انترنت من المقهى المقفل المجاور، أو أن يعتذر تلميذ في باب التبانة من المعلمة لإرساله فرضه في وقت متأخّر لأنه كان ينتظر عودة والده من العمل لاستخدام هاتفه، وأن صورة الفرض «غامقة» بسبب انقطاع الكهرباء، أو أن يتمكّن 5 فقط من 20 طالباً في الصف من متابعة الدرس عبر المنصة الإلكترونية، فيما الباقون لا يتابعون، أو يتابعون بالوسائل التقليدية من واتساب وإيميل وغيرها من دون التفاعل المباشر مع الأساتذة.
مرّ عام كامل على حلول جائحة «كورونا» من دون أن تقدم الوزارة أيّ رؤية. تؤكد المصادر أن المنصة التعليمية غير متوافرة، وحتى إذا توافرت الأداة مثل «مايكروسوفت تيمز»، فالأساتذة لم يتدرّبوا عليها، وقسم كبير منهم لا يجيد استخدامها حتى الآن، والمسؤولون ينتظرون منذ أشهر هبات الجهات المانحة لتوفير كومبيوترات محمولة للأساتذة الذين يستخدمون ممتلكاتهم الخاصّة من كومبيوترات وهواتف للقيام بواجبات عامّة، عدا عن أنّ الأستاذ لم يعد قادراً على شراء أيّ جهاز أو تصليحه على نفقته الخاصة في حال حدوث أي عطل طارئ.
كلّ ذلك وسط غياب الهيئات النقابية التي ذابت في السلطة السياسية وتخلّت عن الأساتذة في هذه الظروف الاستثنائية. أما الموجودون في موقع القرار فلا يشعرون، بحسب مصادر الأساتذة، «بما نعانيه على الأرض. فتسقط علينا قرارات وتعاميم ملتبسة وقابلة للتأويل». القرار 536 الأخير الخاص بتنظيم التعلّم عن بعد خلال فترة الإقفال العام، مثلاً، كبّل الأساتذة وعطّل فاعليتهم التعليمية. إذ أن قرار وزير التربية طارق المجذوب لم يحدّد مدة الحصة للتعليم عن بعد، فيما الأستاذ ملزم بأن يبقى أمام الشاشة نحو 7 حصص لإعطاء برنامج كامل من دون أيّ استراحة، بخلاف التعليم الحضوري حيث تكون هناك فرص بين الحصص. فيما تقليص المناهج الذي قرّره المركز التربوي لم يصبح ساري المفعول حتى الآن.
كذلك حصل التباس في شأن ما يطلبه قرار الوزير لجهة إعداد تقارير أسبوعية حول مجمل الأعمال المحقّقة مع عناوين الدروس والأنشطة المنجزة، وعدد الساعات المنفّذة في كلّ مادة وفي كلّ صف. ورغم أن القرار واضح لجهة إيلاء هذه المهمّة للمديرين والمنسقين والنظار، إلّا أن بعض هؤلاء «جيّروا» العملية إلى الأساتذة وألقوا على عاتقهم أعباء إدارية لا علاقة لهم بها، إضافة إلى مهماتهم التعليمية. يجري ذلك رغم تأكيد مديرية التعليم الثانوي أن ملء الاستمارات الأسبوعية وتنظيمها من مسؤولية الناظر أو المنسق حصراً.
قسم كبير من الأساتذة لا يجيد استخدام المنصة التعليمية حتى الآن


وعن عدم تحديد الحصة في التعليم عن بعد، أوضح مساعد مديرة التعليم الثانوي خالد فايد أن الرأي في المديرية استقر على أن تكون الحصة 40 دقيقة تقريباً، و«هي مدة زمنية مقبولة للتعليم عن بعد». أما التواجد على المنصة التعليمية لسبع حصص فـ«لا يعدّ أمراً إلزامياً، إذ يمكن أن يتواجد الأستاذ بشكل تزامنيّ مع الطلاب حصة وفي حصة أخرى يتواصل معهم عبر الواتساب أو الإيميل أو أي وسيلة أخرى (إرسال فيديو لحل تمارين)»، مقرّاً بأنه لا يمكن إلزام الأستاذ بوسيلة محددة للتواصل أو بمنصة محددة، مع ضرورة استيعاب بعض الحالات الخاصة (عدم الإلمام بالتكنولوجيا، التقدم في السن...).
وكان دخول التفتيش التربوي على خطّ الرقابة الافتراضية فاجأ الأساتذة. إذ كيف يمكن أن يُترك المعلم وحيداً في معركة التعلم عن بعد، ويطلب من التفتيش أن يحاسبه. مصادر التفتيش استغربت تصوير التفتيش «فزاعة»، فيما الواقع المستجد «يتطلب أن نمارس دورنا الرقابي الذي تنصّ عليه القوانين وأنظمة التفتيش على التعليم عن بعد، تماماً كما على التعليم الحضوري. رغم ذلك، لن نحمّل أيّ أستاذ أكثر من طاقته».
وفي السياق، أوضحت المفتشية العامة التربوية، في بيان، أنها لن تحمل المسؤولين عن المدارس أيّ أعباء إضافية، وأنها لم تطلب سوى نسخ عن التقارير المطلوبة منهم بموجب قرار وزير التربية الرقم 536.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا