لم يسقط للدفاع المدني شهداء خلال مشاركة عناصره في إطفاء حريق انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ونقل المصابين. الشهادة أصابت فوج إطفاء بيروت التابع لبلدية بيروت عبر عشرة من عناصره الذين هرعوا من مركزهم في الكرنتينا إلى المرفأ المجاور. لكنّ النكسة الكبرى أصابت موظّفي المرفأ أنفسهم المكلَّفين بمهام الإطفاء. كانوا الأقرب إلى الجحيم عند استعاره، ومنهم الشهيد ثروت حطيط.يوم الانفجار، كان اليوم الأوّل لحطيط بعد إجازة دامت خمسة أيام. العنصر في الدفاع المدني الخاص بشركة الاستثمار التابعة لمرفأ بيروت منذ عشرين عاماً، عايشَ الكارثة وكان أول الواصلين إلى مكان الحريق المندلع في العنبر رقم 12. ارتدى مع زملائه بدلات الإطفاء على عجلة، وتوجّهوا لمكافحة النيران. عندما وقع الانفجار، كان يحمل خرطوم المياه بيده اليمنى ليطفئ ألسنة اللهب، ويصوّر لزوجته هول الحريق بيده اليسرى.
لم يصعب على عائلة حطيط وزوجته وابنه الوحيد الاقتناع بأنه قد استشهد. لكنّهم حاولوا تكذيب المنطق، لا سيما أنّه بقي مفقوداً 12 يوماً بعد الرابع من آب. يستذكر شقيقه إبراهيم حطيط، في حديث إلى «الأخبار»، وقائع ما بعد الانفجار، ويقول: «عندما وصلت إلى المرفأ، كان المنظر مرعباً. المعالم اختفت كلّياً، الدمار يملأ بيروت، ورائحة الحريق والجثث تنبعث. عندها شعرت بعبثية التفكير بإيجابية، وتأكدت أنّ أخي لن يخرج سالماً». لم تنتهِ فصول «المجزرة» عند الموت، كما وصفها حطيط. تحت أنقاض المدينة، رقدت أشلاء الضحية قبل أن تتوزّع جثة واحدة بين أكثر من مستشفى. اليد في مكان، الرجل في مكان، والرأس في مكان. «بعد 12 يوماً من رحلة البحث المضنية بين المستشفيات وجدنا أشلاء ثروت، جمعناها ودفناها في بلدته البابلية في قضاء صيدا».

ثروت حطيط


لثروت علاقة عمرها 20 عاماً مع خرطوم المياه وبدلة الإطفاء جعلت الرجل الأربعيني «شغوفاً بعمله»، بحسب شقيقه. يخدم بدوام لمدة 24 ساعة ويأخذ بعدها عطلة لـ48 ساعة. وعلى الرغم من دوامه الطويل، لم يشكُ ثروت من عمله الذي ينسجم مع «شخصيته النشيطة والمعطاءة». فثروت كان يقضي عطلته في ممارسة تمارين التايكواندو في النادي صباحاً، ثم تدريبها لتلامذته مساءً. ورُقّي للرتبة 4 دان في التايكواندو بعد استشهاده.
عاش ثروت حياة هادئة مع زوجته وابنه هادي (15 عاماً). وكان ينتظر ولادة طفله الثاني الذي «أخذ عمره واسمه». لكن «الفساد الكبير الذي ينخر الدولة أفقدنا أخي قبل أن يشهد ولادة ابنه». لم يكن ثروت عنصراً في الدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية، إنّما مارس المهام نفسها في المرفأ حيث توظّف وفُرز لجهاز الإطفاء والإنقاذ والسلامة العامة التي كانت شركة استثمار المرفأ تجهّزها وتشرف عليها. بعد استشهاده، عومل كسائر شهداء فوج الإطفاء كجندي في الجيش. لم تبرد حرقة خسارة ثروت بالرغم من أنّه كان يقوم بواجباته كما اعتاد. شقيقه حمل راية كشف الحقيقة وأصبح المتحدث الرسمي باسم لجنة عوائل شهداء مرفأ بيروت. اللجنة «ستتابع مجريات التحقيق من دون أن تصطدم بالقوى الأمنية، لأن عوائل الشهداء هم أبناء بيوت وليسوا قطّاع طرق. لن ننسى جريمة بحجم وطن ارتكبتها الدولة». شقيق الضحية يضع أمله في «بعض القضاة النزيهين لعلّهم ينظّفون القضاء من الفساد المتربّص به، ويصلون إلى الحقيقة وراء قتل أخيه ثروت».