منتصف الأسبوع الفائت، نفّذ «مودعون» اعتصاماً أمام فرع مؤسسة «الأمان لتداول المعادن الثمينة»، في منطقة مار الياس في بيروت، مطالبين بـ«استرداد الأموال المنهوبة» التي استثمروها في شراء «أونصات» وليرات ذهبية، ورهنوها لدى المؤسسة مقابل فوائد مالية شهرية.وتيرة الاحتجاجات تصاعدت أخيراً بعدما وصل هؤلاء إلى طريق مسدود مع أصحاب المؤسسة، بعد رفض استقبال بعضهم واستخدام القوة لطرد بعضهم الآخر من فروع المؤسّسة في بئر العبد وحي السلم ومار الياس. ووصل الأمر في محيط فرعَي الضاحية الجنوبية إلى تبادل لإطلاق النار بين متضررين وحراس المؤسسة. وفي 18 شباط الماضي، تعرّض حراس فرع بئر العبد بالضرب لعميد متقاعد في الجيش لدى مطالبته بأمواله، فاستدعى الأخير نجله الضابط الذي نال أيضاً نصيبه من التهجّم. وبالتزامن، صودف مرور دورية للجيش أوقفت الحراس وصادرت أسلحة من داخل المؤسسة وكاميرات المراقبة وأقفلت الفرع. وسابقاً، أقفل فرع حي السلم أيضاً بعد توالي الإشكالات وضرب الزبائن وإطلاق النار. وبحسب عدد من المتضررين، فإن إدارة الشركة تعكف منذ أشهر على إعطاء مواعيد للمراجعين في فرع مار الياس بعيداً عن منطقة سكن معظم المتضرّرين.
تنقسم التعاملات في «الأمان» التي كانت أساساً محلّاً لبيع الذهب إلى نوعين: الأول، رهن الذهب مقابل قرض ماليّ أو شراؤه بالتقسيط المريح، والثاني الاستثمار المالي (بالتأجير أو الرهن أو الإيداع النقدي) مقابل أرباح مالية شهرية. كثر من المتعاملين مع المؤسسة يؤكدون أنها كانت «صادقة في تعاملاتها»، قبل أن يبدأ التعثر والتخلف عن دفع مستحقات المودعين مع بدء تدهور سعر صرف الليرة. ويقدّر عدد المتضررين بحوالى ستة آلاف، لهم مستحقات مالية أو ذهب في ذمة أصحاب المؤسسة «تقدّر قيمتها بنحو 30 مليون دولار»، بحسب مصادر مطّلعة. مع ذلك، بدا لافتاً قيام المؤسسة بحملة إعلانية للتشجيع على التعامل معها في وقت كانت تواجه دعاوى نصب واحتيال رفعها مودعون متضرّرون، فيما تشير المصادر إلى أن المؤسسة تستعدّ لافتتاح فرع رابع في النبطية!
بطء قضائي رغم وجود مئات الدعاوى وعشرات الشكاوى المالية


دولت مشيك واحدة من زبائن المؤسسة التي «كنت أحلف بحياة أصحابها». الموظفة السابقة في أحد المستشفيات أودعت تعويض عمل عشرين عاماً لدى المؤسسة واشترت به «أونصات» وليرات ذهب بالتقسيط ورهنتها في المؤسسة مقابل فوائد مالية. «الأمان» الذي شعرت به شجّعها على رهن «صيغة» والدتها. تشير إلى أن «جيراناً وأقرباء أكّدوا لي الثقة بأصحاب المؤسسة» الناشطين في تجارة الذهب في حي السلم منذ 12 عاماً، فضلاً عن الدلال الذي أُغدق على الزبائن: حفلات في الأعياد وهدايا بعضها ليرات ذهب والصبر على التأخر في دفع الأقساط الشهرية. لكن، كل ذلك تبخّر، «فرغم أنني سدّدت قيمة أقساط بعض الذهب الذي اشتريته، لم أتسلّم شيئاً منذ سنة ولا أعلم مصير بقية الودائع». رفعت مشيك دعوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان منذ 9 أشهر، من دون أن تتحرك القضية، «ولست مقتنعة بأني سأحصل على حقوقي. وتوقفت عن الذهاب إلى مقر المؤسسة لأن لديهم زعراناً يضربون أصحاب الحقوق». عبير شمالي اشترت من المؤسسة أربع ليرات ذهب (ثمن الواحدة منها 330 دولاراً) وبدأت تقسيط ثمنها بدفع 100 دولار شهرياً، على أن تتسلمها بعد دفع المبلغ كاملاً، بحسب العقد الذي نص على أن يدفع الزبون فوائد تسمى «كلفة تخزين» عن سنة كاملة مقدماً. وبعد دفع القسط الأخير يمكنه تسلم الذهب. بعد الإقفال العام الأول في آذار الماضي، وصلت إلى شمالي وآخرين رسائل من المؤسسة «تنذرنا فيها بضرورة تسديد الأقساط فوراً وإلا تفسخ العقود ويطير الذهب». اشترت شمالي دولارات من السوق السوداء لتسدد ما تبقى من أقساط، إلا «أنهم رفضوا إعطائي الليرات الأربع بحسب العقد. أنذرتهم عبر الكاتب بالعدل. فاستدعوني لتسلمها، وعندما حضرت لاستلامها وجدت عقوداً جديدة تنص على أنهم سيسلموني الليرات بالتقسيط. بعدها تراجعوا عن العرض وقرروا شراء ليراتي بالتقسيط مقابل عشرة دولارات شهرياً. وحتى عندما وافقت وذيّلت توقيعي على العقود الجديدة بعبارة مع التحفظ، سحبوا الأوراق وضربني الحراس وطردوني خارج المؤسسة، وأبلغوني بإلغاء أي اتفاق معي»!
وصل المتضررون إلى نفق مسدود مع إعلان المؤسسة قبل أشهر بأنها «لن تسلّم أحداً ذهباً حتى لو كان قد سدد ثمنه، وستسدد لأصحابه قيمته نقداً». لاذ البعض بالصمت خوفاً، وادّعى قضائياً من يمكنهم تحمّل تكاليف الدعاوى. «واضح أن صاحب المؤسسة محمي سياسياً»، بحسب محمد دندش، أحد المودعين، لافتاً إلى بطء القضاء في التحرّك رغم وجود مئات الدعاوى وعشرات الشكاوى المالية.
بوكالتها عن عدد من المتضررين، تقدمت المحامية فداء عبد الفتاح بشكاوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان والنيابة العامة المالية في بيروت، وبشكوى أمام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ضد صاحب المؤسسة ج. ب المتواري، بتهم النصب والاحتيال وإساءة الأمانة وسرقة الأموال. إلا أنه لم يُستدعَ إلى التحقيق، ولم يصدر في حقه قرار بمنع السفر. وجاء في نص الشكوى، أنّ المدعى عليه بدأ بالعمل منذ 2010 في بيع وشراء العملات والسبائك الذهبية في الشويفات تحت مسمى «محل الأمان للمجوهرات»، من دون أن يكون مسجلاً في حينها كمؤسسة في السجل التجاري ولا يملك أي مستند رسمي لا من البلدية ولا من أي نقابة أو جهة تخوّله فتح محل يعمل في المعادن الثمينة. مع ذلك، تخطى عدد زبائنه الألف. وفي عام 2017، سُجل المحل كمؤسسة في أمانة السجل التجاري في بعبدا تعمل في استيراد وتصدير – تجارة عامة – تجارة جميع أنواع الذهب والفضة والمجوهرات نقداً وبالتقسيط والمقايضة وكل ما يتفرع عنها. وفي شباط 2020، غيّر اسم المؤسسة إلى «الأمان لتداول المعادن الثمينة». وبحسب الشكوى، فإن ج. ب. «خالف قانون النقد والتسليف بأخذ إيداعات مالية من الناس مع أنه ليس مؤسسة مالية وليس شركة مغفلة أو مساهمة، وانتحل صفة المؤسسة المالية حتى صار يتصرف على غرار البنوك عبر إيداع الأموال وإعطاء المودعين فائدة. وأكمل أنشطته بعمليات الرهن والتأجير وبيع العملة الرقمية». وأشارت إلى أن نماذج العقود مع الزبائن، تبيّن أنها «عقود إذعان» ليس للزبون فيها الحق بأي تعديل أو رأي. فالإدارة كانت تعدل في بنود العقود لصالح المؤسسة مع كامل الصلاحيات بفسخها منفردة، وكانت تذيل بند موعد استحقاق تسليم الذهب بعبارة «إن أمكن». كما كانت تلزم الزبائن بتوقيع إيصالات تتضمن بنداً يعطيها تفويضاً مطلقاً وشاملاً بحرية التصرف كما تراه مناسباً مالياً وزمنياً. وقد حذت المؤسسة منذ حوالى العام حذو المصارف بحجز أموال المودعين وتحديد سقف السحوبات بشروط، واضعة نفسها خارج رقابة المصرف المركزي.



تحريك للملف؟
بناء على موعد مسبق، زارت وكيلة بعض المتضررين من «مؤسسة الأمان» فداء عبد الفتاح، أمس، المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم والمدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، لمراجعتهما في مصير الدعاوى المرفوعة امام النيابتين ضد اصحاب المؤسسة منذ اشهر. وكانت بعض الجهات المعنية بررت البطء في تحريك الملف بالاقفال العام، رغم انها «قضية تنطبق عليها صفة العجلة نتيجة التهديد بضياع اموال اكثر من ستة آلاف ضحية من الطبقة الفقيرة والمتوسطة تصل قيمتها الى ٣٠ مليون دولار». ووفق المصادر، فإن عون «طلبت من جميع المحامين العامين الذين رفعت امامهم شكاوى ضد المؤسسة تحويلها اليها لمتابعتها بشكل مباشر واعتبارها ملفا واحدا لاجراء المقتضى القانوني اللازم». علماً بأن جهات قضائية كانت قد عمدت الى تجزئة الملف ما ادى الى ضياعه بين القضاة، وعدم اتخاذ الاجراءات الواجبة كاستصدار قرار منع سفر بحق اصحاب المؤسسة المدعى عليهم.


لا ذهب للزبائن
رغم الدعاوى القضائية، تصر المؤسسة على أنها «تتعاطى بيع وشراء المعادن الثمينة ولا علاقة لها بالرهن أو إيداع الأموال لقاء فوائد». وفي ردّ على استفسارات «الأخبار» عن مصير ذهب المودعين، قالت الوكيلة القانونية للمؤسسة فريال الأسمر إن «ملكية كل الذهب عائدة للمؤسسة. ولا يوجد إيداع ذهب للزبائن، بل عقود بيع للتقسيط لهم. وعند انتهاء العقد بشروطه المحددة، يستطيع الزبون تسلّم الذهب الذي اشتراه بالتقسيط». وأشارت إلى أن «الأمان» لم تقفل أبوابها أمام الزبائن، «لكن ما حصل في الضاحية الجنوبية، هو دمج فرعَي حي السلم وبئر العبد في فرع واحد عاد ليقفل بسبب تفشي كورونا بين موظفيه»، مقرّة أن المؤسسة لا تخضع لرقابة مصرف لبنان أو قانون النقد والتسليف. واختصرت الإشكالات التي تكرّرت مؤخراً وشكاوى بعض الزبائن بـ«تخلّف بعضهم عن دفع المستحقات المتوجبة عليهم، ما أدى إلى فسخ العقود معهم وهؤلاء لا يشكّلون أكثر من 10 في المئة. أما الملتزمون بعقودهم فلا أزمة معهم».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا