تغيّر الحال كثيراً في لبنان منذ دخول البلاد أزمتها الاقتصادية، وهو ما طاول أوضاع اللبنانيين والعمّال المقيمين، على السواء. تظهر آثار الأزمة جليّة وعميقة في شهادات هؤلاء العاملين وكذلك في حال أصحاب مكاتب استقدام العمّال والعاملات.
ركيب ( 22 عاماً)، أجبرته الأزمة الاقتصادية على التحضّر للعودة إلى موطنه بنغلاديش. منذ عام 2017، كان يعمل لدى أحد المتاجر مقابل 600 ألف ليرة شهرياً بدل دوام يُراوح بين ثماني ساعات إلى عشر ساعات، برغم الأجر الزهيد، إذ كان يساوي حينها 400 دولار أميركي، يحول الجزء الأكبر منه من الليرة إلى الدولار ويرسله إلى عائلته التي تعتمد عليه في بنغلاديش. حاله في لبنان لم يعد أفضل من حال عائلته في بنغلاديش.

«العمل هنا أصبح صعباً جداً. لم أعد قادراً على تحويل أموالي إلى دولار. كنت أرسل جزءاً منها إلى أهلي شهرياً. أمّا الباقي، وهو مئة دولار فكنت أشتري بها حاجاتي. الآن، لم يعد أجري يكفي لشراء الطعام». يشكو ركيب من أن أجره أصبح بلا قيمة: «أعمل ستة أيام في الأسبوع ولا أستطيع تحويل مبلغ من المال إلى أهلي».

ونتيجة للاضطرابات النفسية التي يعيشها، أصبح هاجسه الوحيد جمع المال للعودة إلى بلاده وأهله. «أصبحت أعيش في كابوس الدولار، أستيقظ كل يوم خائفاً من أن يرتفع سعر صرف الدولار». ففي مقابل التراجع والتدهور الاقتصادي في لبنان، أصبحت بنغلاديش، بلد الجوع والفيضانات، ملاذاً أكثر أمناً: «أفضّل العمل في بلادي مقابل مبلغ 250 دولاراً شهرياً عن البقاء هنا بعيداً عن أهلي».



محمد البغالي (أيضاً 24 عاماً)، يشكو من معاناة تفوق كابوس الدولار، تحوّلت إلى ظاهرة منذ نهاية عام 2019. يتحدّث عن «خداع العمّال الأجانب خلال الاتفاق معهم على شروط العمل إلى لحظة وصولهم إلى لبنان حيث يكتشفون واقعاً مختلفاً». بحسب محمد، يحتال الوكيل اللبناني المكلّف بالتعاقد مع العمّال عبر وسطاء محليين: «يوهمهم بأن الراتب سيُدفع لهم بالدولار وليس بالليرة، ليتبيّن في ما بعد أن ذلك كان كذبة لاصطياده وأن المبلغ أقل مما اتفق عليه سابقاً، فضلاً عن إجباره على العمل أكثر من ساعات العمل المحدّدة في عقد العمل؛ 13 ساعة بدلاً من ثماني ساعات يومياً».

الخداع والاستغلال دفعا بكثير من العمّال إلى مغادرة عملهم لدى الكفيل بلا عودة. ويهيمون للبحث عن عمل لقاء أجر يومي لا شهري. لكنّ الفئة الكبرى من المنخدعين، وجدت مخرجاً أفضل.

يشير محمد إلى أن الكثير من مواطنيه الذين أمضوا سنوات طويلة في لبنان «غادروا إلى بلدان أخرى كدول الخليج طمعاً بالدولار الطازج»، من بينهم شقيقه الذي بات يحسده لأنه صار من أصحاب الثروات برأيه: «انتقل إلى الكويت حيث يحصل على 400 دولار عن دوام ثماني ساعات ويزيد راتبه إلى 800 دولار عن ساعات العمل الإضافية»، بينما هو يتقاضى في لبنان 300 دولار بسعر الصرف الرسمي. يسعى محمد حالياً إلى تجهيز أوراقه للحاق بشقيقه في الكويت.

أزمة العمّال تنسحب على قطاع مكاتب استخدام العمّال، ولا سيما استقدام العاملات في الخدمة المنزلية من بلدان أفريقية ومن بنغلاديش والفليبين.

جوزيف، أحد أصحاب المكاتب، لفت إلى أن نسبة الطلب على استقدام العاملات تراجعت من 80 في المئة إلى 20 في المئة شهرياً منذ أكثر من سنة. وما ساهم في التراجع، قرار عدد من الدول، كالفليبين وغانا وإثيوبيا، ترحيل مواطنيها، سواءٌ المقيمون قانونياً أم المقيمون بطريقة غير قانونية.