كثيرة هي التّحدّيات الّتي تواجه جمعيات التّوحّد في لبنان، والظّروف في السّنتين الأخيرتين لم تأتِ إلّا لزيادتها. فالبقاء في البيت، بحسب رئيسة جمعيّة الأهل لدعم التّوحّد غادة مخّول، لم يبدأ مع كورونا، بل يرجع إلى احتجاجات 17 تشرين وما تلا هذا التّاريخ من قطع للطّرقات. ومن بعدها، انتشر فيروس كورونا في لبنان، ووضِعت الجمعيّات أمام تحدّيات جديدة، لعل واحدة من أبرزها «تفسير كورونا لأطفال التّوحّد، لأنّهم يحتاجون إلى شيء ملموس ليفهموا ما يحصل حولهم» كما تقول رئيسة الجمعيّة اللّبنانيّة للتّوحّد أروى الأمين حلاوي.
خلال الحجر المنزليّ، حرصت الجمعيّات على التّواصل مع الأهالي بالصّوت والصّورة، لتدريبهم ومدّهم بالمواد المصوّرة والمسموعة اللّازمة، ولمواكبة أطفالهم. ومن خلال العالم الافتراضيّ، وخصوصاً مواقع التّواصل الاجتماعيّ، استطاعت أن تصل الجمعيات إلى عدد أكبر من أهالي أطفال التّوحّد في لبنان. لكن في ما خصّ أهالي الأطفال المسجّلين، فقد واجهت بعض الجمعيات مشاكل مثل انقطاع الإنترنت الدّائم، وانشغال الأهل إمّا في أعمالهم أو عدم قدرتهم على ترك أطفالهم وحدهم للالتحاق باجتماعات الأونلاين. «كان تحدّياً بالنّسبة لنا، وفرصة في الوقت نفسه لتدريب الأهل، وقد حاولنا قدر الإمكان مواكبة الأطفال وعوائلهم، خصوصاً العوائل الّتي تضرّرت من الوضع الاقتصادي ومن كورونا، وحرصنا على تأمين الألواح الذّكيّة للأطفال» يقول مدير «مؤسسة الإمام الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل» إبراهيم الزّين، «أمّا بالنّسبة لمخطّط العودة، فأخذنا كلّ الاحتياطات اللّازمة، وعملنا على سلسلة من التّدريبات، مثل تدريب الأطفال على وضع الكمّامة لأنّهم في البداية كانوا ينزعجون منها، وحاولنا تعويدهم على شكل المعلّمة الجديد وهي ترتدي الكمّامة، وغيرها...».

عودة الأطفال إلى الجمعيّات بعد الإقفال، «كانت مصدرَ فرحٍ لهم، فعندما رجعوا كانوا سعيدين جدًّا» بحسب مخّول، «لكنّ البعض رفضوا إرسال أولادهم إلى الجمعيّات خوفاً من كورونا، وهو حقّهم، رغم أنّهم دائماً ما يقولون إنّ أولادهم ملّوا من البيت». توقّفت النّشاطات الّتي اعتاد عليها الأطفال، مثل نشاطات بعض الظّهر، ونشاطات اليوغا والرّياضة والموسيقى وغيرها، واقتصرت على الجلسات الفردية لكلّ طفل على حدة، وهذا ما سيتركُ أثراً على تقدّم الطّفل، خصوصاً أنّ الجمعيات لم تستطع أن تستقبل كلّ الأطفال معاً بعد، بل فضّلت تقسيم حضورهم على أيّام الأسبوع. وهو ما يزيد التّكاليف المرتفعة أساساً، ليس فقط على الجمعيّات بل على الأهالي الّذين فقدت رواتبهم جزءاً كبيراً من قيمتها. وتقول مخّول «نحنُ نحتاج إلى تمويل الدّولة، لأنّنا نريدُ أن نعطي بعد وأن نعمل أكثر».

وتشكو رئيسة الجمعيّة اللّبنانيّة للتّوحّد أروى الأمين حلاوي هجرة المتخصّصين أو تفكيرهم في الهجرة، خصوصاً الفترة الأخيرة، وتقول إنّ الوضع الاقتصاديّ ترك تأثيراً سلبيّاً على عمل الجمعيّات ونشاطاتها، والتّبرّعات الّتي تعتمدُ عليها الكثير من الجمعيّات انخفضت إلى النّصف تقريباً، بالإضافة إلى فقدان الموظّفين لقيمة رواتبهم. «لدينا عقد مع وزارة الصّحّة وعقد مع وزارة الشّؤون، لكن ما يعطونا إيّاه غير كافٍ، ووزارة الشّؤون تحاسبنا على أساس سعر التّكلفة في 2011 فيما نحن في 2021، كما أنّها تدفع لنا بعد انقضاء كلّ سنة».

غير أنّ التّحدّيات الّتي تواجهها الجمعيّات، والّتي يطمحُ العاملون في مجال التوحّد إلى وضع حدّ لها، لا ترتبط بالوضع الاقتصاديّ المتأزّم في لبنان والكورونا في العالم فحسب، بل تتعدّى ذلك إلى وضع الشّخص المصاب بالتوحّد في لبنان، فالنّوادي الرّياضيّة والأماكن الترفيهيّة والمدارس الخاصة بهذه الفئة، يكاد وجودها ينعدم. ليس هذا فحسب، بل إنّ «غالبيّة النّاس الّذين يفكّرون بالتّوحّد يذهب تفكيرهم إلى الأطفال وما يواجهون» تقول مخّول، «لكن ماذا عن الأشخاص المصابين بالتّوحّد الّذين تخطّوا سنّ الطّفولة وتجاوزوا العشرين من أعمارهم، ماذا عن توفير فرص كثيرة من بينها التّعليم والعمل وغيرها؟ ماذا بعد؟».