تقضي يُمنى جورج حجيبان أيّامها بالأشغال اليدويّة وصناعة الدّمى والحقائب. يداها مشغولتان دائماً بالأقمشة والخيطان. شغف تملأ به وقتها، بعد أن قرّرت ترك عملها في مجال فساتين الأعراس والسّهرات، والاكتفاء بالعمل من المنزل. «نعم، أظنّ أنّني موهوبة»، تتردّد قليلاً قبل أن تجيب. تحاول أن تصنع «شيئاً من اللّاشيء لأنّ العالم تطوّر ولا يجوز التّفريط بأيّ مادّة. يجب إعادة تدوير كلّ شيء». غالبيّة الأشغال الّتي تقوم بها يمنى، هي حصراً من «مواد مُعاد استعمالها»، ما عدا تلك الّتي تتطلّب مواد جديدة. قبل الأزمة، كان الجيران والأصدقاء يحضِرون لها أكياس من القماش والملابس المُستعملة لتُعيد استعمالها، لكنّهم أقلعوا عن ذلك. «صاروا يحسبون حساباً لكلّ قطعة».
هي حصراً من «مواد مُعاد استعمالها» ما لم تضطرّ إلى شراء مواد جديدة، كالأقمشة الملوّنة على اختلاف أنواعها واستعمالاتها، الخيطان بأحجامها المختلفة كالرّفيع والعريض والصّوف (للشّعر)، الأزرار الكبيرة والصّغيرة (للزّينة والعيون)، والحشوة من الأقمشة الصّغيرة أو القطن الصّناعيّ، مُستخدمةً أداتَيْن في عملها: مكينة الخياطة والإبرة والخيط.

كيف بدأت الفكرة؟ في عيد ميلاد عمّتها المئة، راحت تفكّر يمنى بهديّة «لا تخطر في بال أحد». قرن من الحياة، يستدعي منها تقديم هدية مميّزة ومختلفة. بعد طول تفكير، توصّلت هي وشقيقتها نهى إلى حلّ: شجرة تصنعها يمنى وتزيّنها بأسماء أولاد عمّتها وأحفادها. «حاولتُ، وطلعتْ حلوة، رحنا عالعيد، وكنّا كتير أورجينال» ترجع يمنى بذاكرتها ثلاث سنوات إلى الوراء. «كل أقربائي قالوا لي: هديّتك كتير مهضومة، ليش ما بتعمليلنا متلها؟»، أجابت يمنى ضاحكة «وصّوني بعملكن». هذه كانت فاتحة الطّريق، ومن يومها استلمت يمنى مهمّة الخياطة، وتولّت أختها نهى التّحضير للمشاركة في المعارض.

لم تترك الشّقيقتان معرضاً من دون المشاركة فيه. المعارض كانت فرصتهما ليتعرّف النّاس إلى أشغال يمنى، وليشتروا منها. «حقّقنا في المعارض نجاحاً كبيراً، وكان النّاس يشترون منّا الكثير، ويحبّون ما نقدّمه»، تقول نهى. لكنّ انتشار فيروس «كورونا» والأزمة الاقتصاديّة، حالا دون الاستمرار بالمعارض، واقتصر البيع على الطّلبيّات الّتي خفّت بدورها. عندها قرّرت نهى أن تستحدث «نافذة» جديدة لتطلّ على جمهور أوسع، ففتحت، قبل شهرين، حسابَيْن في «فيسبوك» و«إنستاغرام» باسم «قماشة وخبريّة» لتعرض أشغال يمنى. «جيلنا لم يعتد مواقع التّواصل الاجتماعيّ. أنا لا أزال جديدة، وأحاول أن أتعلّم لأحسّن عملنا ولأزيد المبيعات، وعدد النّاس عندي لا يزال قليلاً، لكنّني أبيع. مواقع التّواصل لا تبيع كما تفعل المعارض، لكنّها أفضل من لا شيء، خصوصاً في ظروفنا الحاليّة».

حماسة يمنى المتّقدة انطفأت مع انفجار مرفأ بيروت في الرّابع من آب. كانت مع أمّها وأختها في الجبل، نجونَ جسديّاً، لكنّ بيتهنّ في الأشرفيّة لم ينجُ. توقّفتْ يمنى عن الخياطة والأشغال اليدويّة لمدّة طويلة، «المعنويّات صارت بالأرض» تقول، «سألتُ نفسي: ما هذه الحياة؟ كلّ عملي من أجل 10 آلاف ليرة، بينما لا ندري في أيّ لحظة سنموت، ما الفائدة؟!».

غير أنّ «اعتكاف» يمنى لم يدم طويلاً. أعادت هي وأختها وأمّهما بيتهنّ كما كان، حاولت أن تتجاوز «الأثر السّلبيّ الّذي تركه الانفجار»، وشاركت في دورة في إحدى المؤسّسات أعادتها من جديد «إلى الحياة»، وساعدتها لتنتقل بعملها، وهو مصدر دخلها الوحيد، إلى مرحلة أخرى. وتطمح يمنى إلى توسيع عملها مستقبلاً، «في حال سمحت الظّروف»، كأن تعمل مع المدارس وتشغّل معها أشخاص آخرين موهوبين، لأنّ الشّخص الموهوب الّذي يجيد عمله، بحسب يمنى «حرام يقعد»، عليه أن يُثابر، ويجعل النّاس كلّهم يشاهدون عمله الجميل، «فصحيح أنّنا لا نعرف إلى أين نتّجه في هذا البلد، لكن لا يمكننا أن نقف، لأنّ الدّنيا نفسها لا تقف».