بات اليوم الرابع من كل شهر، موعداً ثابتاً لاستذكار كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. ينشغل الناس بأمورهم ثم يستذكرونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في بعض الأنشطة الرمزية. لكن المحطة الدورية الافتراضية، هي أمر واقع يعيشه الضحايا أنفسهم، المشرّدون والمتضررون والجرحى وأهالي الشهداء.
جولة سريعة على الكرنتينا الحي الشعبي، الملاصق للمرفأ، تُظهر كأن الأشهر العشرة لم تمرّ. الحزن والدمار والعوز يحبس السكان في فوهة الانفجار.

(الأخبار)

10 أشهر لم تكن كفيلة بالسماح لسكان الكرنتينا بنسيان لحظات الحزن التي عاشوها. لحظات ما زالت محفورة على جدران منازل الناس في هذه المنطقة التي عانت من الإهمال منذ أيام الحرب. حتى إن حملات المساعدة والترميم المكثّفة التي قادتها بعض جمعيات المجتمع المدني للتعويض عن الأضرار ولدعم المتضررين، لم تكن كافية.

يعيش أكثر السكان في منازلهم بعد خضوعها لترميم جزئي. بينما غادر القسم الآخر مسكنه لعدم قدرته على الترميم.

تصف غنى دلّال، حالة البؤس والفقر التي مرّت بها وعائلتها في الأسابيع الأولى بعد انفجار المرفأ: «كنا ننام على الأرض. فضّلت النوم في منزلي بأيّ ظروف على النوم خارجه». دلّال وجيرانها، اعتمدوا لأسابيع طويلة على المساعدات العينيّة التي قدّمتها الجمعيات من غذاء وحاجيات. لكن هذا لم يكن كافياً. «لا غاز ولا برّاد. نحفظ أكلنا في برّاد جيراننا، ونستعير منهم أدوات المطبخ. المنزل لا يزال متضرراً، ولم يبق من الأثاث سوى صوفا واحدة تذكّرنا بحياتنا ما قبل الانفجار».

دلّال لا تزال تحت وقع الإرهاق، تشعر حتى اليوم بالإرهاق النفسي والتعب بسبب كثرة العقبات حولها. نقص الأثاث وضيق العيش، بعد أن بات زوجها يعمل بدوام جزئي إثر الانفجار، بعد أن تضرر مركز عمله. والأسوأ هو الحاجة إلى تأمين الأكل لعائلتها، فضلاً عن أن هوية ابنتها ضاعت تحت الأنقاض.

أودعت دلّال أولادها لدى إحدى الجمعيات للخضوع لجلسات دعم نفسي واجتماعي، لتخطي الصدمة التي تعرّضوا لها. هي ملاذهم الوحيد للترفيه. «لم يعد لدينا جهاز تلفاز، لذا بات الأولاد يمضون وقتهم على الطرقات للترفيه والهروب من جو المنزل. أمّا أنا وزوجي، فنحاول أيضاً التخفيف من الكآبة والحزن عن طريق السهر يومياً عند جيراننا للترفيه وتمضية الوقت».

تعيش خالدية عوض، مع عائلتها المكوّنة من 10 أشخاص، وقد شاء القدر أن تكون الوحيدة الموجودة في المنزل يوم الانفجار، فأصيبت بجروح بسيطة. «هربنا إلى بيت أقاربنا أسبوعاً بكامله، لكي ننسى الكابوس واللحظات الأليمة التي مرّت علينا. الشهر الأول كان بمثابة مرحلة سوداوية في حياتنا، ولكن بعد فترة، بدأت بعض الجمعيات بتقديم علاجات نفسية للمتضررين، وبدأت أوضاعنا النفسية تتحسن شيئاً فشيئاً إلى أن نسينا أزماتنا النفسية وانشغلنا بأزماتنا المالية». وتضيف «كنت أعمل كمزيّنة شعر لنساء الحيّ. أمّا اليوم، أصبحت من دون وظيفة، خسرت عدة الشغل وبتّ أتجول في الطرقات صباحاً في المنطقة، بحثاً عن الجمعيات الخيرية والمساعدات لكي أؤمّن الطعام والأدوية لعائلتي». تدمّر المنزل بكامله، فيما استطاعت بعض الجمعيات مساعدتهم في ترميم جزء كبير من المنزل.

«الأسى ما بينتسى»، يقول أهالي الكرنتينا رداً على التمنيات لهم بتخطي كارثة الانفجار. الحزن في القلب، لكن ما زاد منه يمكّن منه سوء الإدارة والفوضى في عملية توزيع المساعدات، بحسب المختار السابق جان إيليا صليبا. المشكلة تكمن في «عدم وجود إحصاء رسمي للدولة يساهم في معرفة من هم الأشخاص الذين خسروا بيوتهم بفعل الانفجار. لذلك حصلت الكثير من حالات الغش والسرقات أثناء توزيع هذه المساعدات، حيث تم إعطاء مساعدات لأشخاص وحرمان البعض الآخر منه».

في المقابل، قسم من السكان لم يعودوا إلى منازلهم منذ وقوع الانفجار، بسبب تدميره كلياً وغياب التعويضات من أجل ترميمها. فإيمان الضو، انتقلت منذ الانفجار للسكن عند شقيقتها، إلى حين أن تتمكن يوماً ما من تصليح منزلها الفارغ. كانت تعمل في إحدى دور الأيتام، لكن مع تدهور الأوضاع في البلاد أصبحت عاطلة عن العمل، وتعيش بفضل المساعدات والتموين الغذائي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا