استطاع لبنان، بعد عامٍ ونصف عام من دخول فيروس كورونا، تخطي عتبة الخطر. فبعد أشهرٍ من الذروة في أعداد الإصابات والوفيات والحالات الحرجة، يصل اليوم إلى مرحلة ما قبل التعافي من الفيروس الذي حصد حتى الآن ما يقرب من 8 آلاف ضحية. أمس، كان عدّاد الإصابات تحت المئة، وهو الرقم الذي لم يكن وارداً في الحسابات قبل شهرين من اليوم، ومن المتوقع أن يزداد التحسن خلال الفترة المقبلة، وصولاً إلى الرقم صفر... ما لم يحمل الصيف أية مفاجآت قد تحدث مع عودة المهاجرين من الخارج.على خطّ التحسن في عدّادات كورونا، تنشط وزارة الصحة العامة أيضاً على خط اللقاحات في سبيل تحصيل مناعة مجتمعية تقي من انتكاسة جديدة. وهي، لهذا السبب تحرص على إقامة «ماراتونات» لقاحية أسبوعية لتوسيع دائرة المستفيدين من اللقاحات. مع ذلك، لم تسر تلك السباقات بالسرعة المتوقّعة للوصول إلى المناعة المطلوبة. فحتى اللحظة الراهنة، لا تزال نسبة الناس الذين تلقحوا بحدود 13%، على ما تقول الدكتورة رويدة دهام، نائبة رئيس شركة «أروان» للصناعات الدوائية. وهي نسبة خجولة مقارنة ببعض دول الجوار، على الأقل.
أما الأسباب هنا، فليست لوجستية، وإنما «خارجية» تتعلق بأمرين أساسيين: أوّلهما كمية ما يحصل عليه لبنان من لقاحات. وهي كمية غير كافية، حسب ما يؤكد وزير الصحة العامة، حمد حسن، مراراً، وثانيهما «عرقلة» بعض المحاولات لإنتاج اللقاح محلياً. صحيح أنه في الفترة الأخيرة، بدأت تنضج بوادر توقيع اتفاق ما بين المؤسسة الروسية المصنّعة للقاح «سبوتنيك» وشركة «أروان» للصناعات الدوائية بهدف تصنيع اللقاح الأخير محلياً، إلا أنه كان من المفترض «أن يحصل ذلك قبل فترة»، على ما يقول وزير الصناعة، عماد حب الله، الذي كان راعياً للمحادثات بين الشركة والجانب الروسي. وإذ يشير الأخير إلى أن المحادثات اليوم بين الفريقين «باتت في مرحلة الأسعار»، إلا أن «هرطقات بعض التجار المتضررين من التصنيع في لبنان حاولت عرقلة المفاوضات مع شركة أروان»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «التوقيع بات قريباً». وهو ما ألمح إليه فاليري غورونين، المدير التنفيذي المسؤول في صندوق الاستثمار الروسي المباشر عن عقود تصدير لقاح سبوتنيك إلى خارج روسيا ـ في إطار حديث غير رسمي ـ مشيراً إلى أن شركات عدة لبنانية «تُجري تواصلاً وحواراً مع الصندوق بشأن تصنيع اللقاح في لبنان ومن بينها شركة أروان التي تمتلك حظوظاً أوفر للوصول إلى توقيع عقد التصنيع». أما رسمياً، فقد نفى غورونين «توقيع أي اتفاق مع أي طرف لبناني لتصنيع اللقاح حتى تاريخه»، موصياً في الوقت نفسه بالتواصل مع «المدير الإقليمي لدى شركة أوروغولف»، وهي الشركة التي تملك الوكالة الحصرية لتوريد لقاح سبوتنيك إلى لبنان وعدد من الدول الأخرى. وبعد التواصل مع الأخير، تبيّن، بحسب المصادر، أن «شركة أوروغولف الإماراتية وهي شريك مساهم في صندوق الاستثمار الروسي المباشر لم توقع حتى تاريخه سوى عقد واحد مع شركة مالياغروب MALIAGROUP اللبنانية، أي جاك صراف وشركاه (مثل محمد شقير) ولم تسلم لبنان سوى 55 ألف جرعة، كونها تعاني من ضعف طاقة الإنتاج بسبب الطلب الكبير».
تقول «أروان» إنها قادرة على تصنيع 120 ألف قارورة لقاح في اليوم الواحد أي ما يعادل 600 ألف جرعة


برغم ذلك، تؤكد دهام واثقة بأن تكون المحطة الأخيرة لتوقيع الاتفاق الأسبوع المقبل، على أن «يدخل بعدها لبنان رسمياً في مجال تصنيع اللقاح». أما التحدي الأول بعد التوقيع، فهو توقيت وصول المواد الأولية الداخلة في تصنيع اللقاح الروسي، إذ تشير دهام إلى أن هذا الأمر رهن بالمؤسسة الروسية. على أنها تشير واثقة إلى أنه ما بين وصول المواد الأولية والبدء بتصنيع سبوتنيك، «لا يعوزنا سوى شهرين لنبدأ بتزويد لبنان بكميات كبيرة من اللقاحات».
شهران فقط. تصرّ دهام على الحسم، بنفس إصرارها على حساب الكميات التي يمكن أن ينتجها المصنع، إذ تشير إلى أنه «بإمكاننا تعبئة 120 ألف قارورة لقاح في اليوم الواحد»، مع احتساب أن القارورة الواحدة «هي عبارة عن خمس جرعات»، أي ما يوازي 600 ألف جرعة لقاح في اليوم الواحد وفي فترة مناوبة واحدة، وهذا يعني عملياً كميات أكبر «في حال اعتمدنا فترتي مناوبة». ويعني أيضاً أن «لبنان سيكون قادراً على تأمين الكميات اللازمة للتلقيح في أسرع فترة ممكنة، كما سيكون قادراً على تصدير الباقي».
واستناداً إلى الاتفاق، تشير دهام إلى أن المطلوب من «أروان» هو تصنيع 60 مليون جرعة سنوياً، أي ما يعادل 12 مليون قارورة. حاجة لبنان، بحسب دهام، لا تتخطى الـ6 ملايين، فيما الباقي سيكون «صناعة تصديرية».
وبعيداً عن مسألة الإنتاج، تتريّث الشركة في الحديث عن سعر اللقاح، ريثما يصبح «الفول بالمكيول». مع ذلك، تضع دهام بعض التقديرات، مشيرة إلى أن الكلفة «أكيد رح تكون أقل من الكلفة التي طُرح فيها لقاح سبوتنيك في السوق اللبنانية»، وتحسبها ما بين «25 أو 26 دولاراً أميركياً» للجرعتين.