«الاتكال على الذات وتمكين النفس بهدف تحقيق السيادة على الطعام». هذه هي «الوصفة» الأمثل التي خلصت إليها ندوة «مسار الشعوب نحو الأمن الغذائي والتنمية الحقيقية والسلام العادل» التي نظّمتها أخيراً «الشبكة العربية للسيادة على الغذاء»، في سياق دعوتها إلى «التضامن العالمي في مواجهة الصراعات التي تؤثر في النظم الغذائية».الندوة الإلكترونية التي توجّهت إلى «الشعوب المتضررة من الحرب والاحتلال والحصار» ونقشت الأمن الغذائي، انطلقت من «قناعة» مفادها بأن «أغلب من يعانون من انعدام الغذاء هم من يواجهون الحروب والاحتلال والحصار»، وأن «الصراعات هي المحرّك الأساس للجوع العالمي»، وأن الأمم المتحدة «ليست الجهة المخولة إجراء النقاش المرتبط بالمصالح الغذائية للشعوب الناجية من الصراعات». لذلك كانت هذه الندوة التي تسبق مؤتمر قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية المزمع عقده في أيلول المُقبل، للردّ على «تهميش الشعوب والمجتمعات المتضررة من قبل قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية»، على ما تقول رئيسة الشبكة رزان زعيتر.
مديرة المجموعة العربية لحماية الطبيعة مريم الجعجع لفتت إلى أنّ «الهدف من الحروب وفرض العقوبات صار تأمين الاستدامة لمصالح اقتصادية وجيوسياسية، وصار الغذاء من الأدوات الأساسية المستخدمة في الصراعات ما يترك أثراً جسيماً في النظم الغذائية ويهدّد الملايين حول العالم بالجوع».

أين لبنان من هذا النقاش؟
وفق المُشاركين في الندوة، فإن لبنان «ليس بعيداً من التهديد بالجوع جراء الأزمة الاقتصادية التي تتهدده. إذ تربط الولايات المتحدة إنقاذه بشرط التخلي عن مقاومته للعدوان الإسرائيلي والرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي ليمنحنا القروض»، بحسب الباحثة اللبنانية وافي إبراهيم، لافتة إلى أن «ربط مساعدة لبنان بهذه الشروط يهدد اللبنانيين بالموت جوعا خصوصاً بعد تأكيد اليونيسف أن 77 في المئة من العائلات اللبنانية لم تجد ما يكفي من المال لشراء الغذاء خلال شهر تموز». الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على لبنان يتطابق والحصار الذي تفرضه على فنزويلا منذ تشرين الثاني 2015، ما «أثّر في كل مناحي الحياة. وكما في كوبا، يعاني الشعب الفنزويلي من عقوبات حكومات إمبريالية ليدخل في حالة عوز»، يؤكد نائب رئيس اتحاد الفلاحين في فنزويلا داني دافيد في معرض حديثه عن الحصار الذي أثر في الأمن الغذائي في بلاده و«أجبرنا على تعديل سياسات الغذاء والإنتاج الغذائي».
الغذاء من الأدوات الأساسية المستخدمة في الصراعات والأمم المتحدة شريكة


المؤتمرون شدّدوا على أن شركات زراعية وصناعية عالمية تستغلّ سوء الأوضاع في البلاد التي تشهد نزاعات لتسيطر على الأراضي التي لم تتمكن من السيطرة عليها في حالة الاستقرار بسبب القيود الدستورية والقانونية. هذه الشركات تتمكن من السيطرة سياسياً لتحقق أرباحاً طائلة، فتؤثر في منتجي الطعام وتهدد بالجوع. وقد «لاحظنا شراكة استراتيجية أقامتها هذه الشركات مع الأمم المتحدة عام 2018، ولاحظنا سيطرتها على قمة النظم الغذائية وقيادتها للمؤتمر الممهد له، لذا نتوقع من هذه الشركات المزيد من الاستحواذ على الأراضي بمباركة الأمم المتحدة»، بحسب الرئيسة المشاركة في التحالف العالمي للسيادة على الغذاء سلفيا ملاري. بعد انتهاء الحروب، وتحت شعار المساعدات الغذائية للدول التي أنهكتها الحرب، «تحقق الدول الإمبريالية هدفها في دعم اقتصادها المحلي وتدمير الإنتاج المحلي للدول التي ستساعدها». وتلفت رئيسة «التحالف العالمي للغذاء» و«منظمة جذور العدالة» أزرا سعيد إلى «أننا لاحظنا عام 2016 أن الولايات المتحدة لم تقدم مساعدات غذائية لباكستان لوقف الجوع بل لضمان تبعية البلاد لأنظمتها الغذائية وتدمير الإنتاج المحلي لهذا البلد. إذ اشترطت أن تقدم الشركات الأميركية المساعدات الغذائية وأن توصلها السفن الأميركية حصراً، ما أدى إلى تدمير الزراعة المحلية وشكّل نوعاً من أنواع العقوبات الشبيهة بتلك التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران».
استعراض هذه الوقائع، هدفه الإشارة إلى أن «لا خلاص فعلياً للبلاد التي تشهد اضطرابات، ومن ضمنها لبنان، إلا بتحقيق السيادة الغذائية، لأن الجهة المفترض بها تأمين الأمن الغذائي (الأمم المتحدة) شريكة في التجويع خدمة لاقتصادات الدول التي تنتمي إليها كبرى الشركات. وعليه، فإن أي نقاش في لبنان يرتبط بمساعدته غذائياً لا يمكن التعويل عليه ما لم تتم المباشرة بأولى خطوات تحقيق السيادة والاكتفاء الذاتي والتنبه لمطامع الشركات اللاهثة وراء الاستثمار في الأزمات.