لا يشبه شتاء هذا العام غيره من شتاءات البقاع المنصرمة. بدأ الصقيع يلفح وجوه البقاعيين، ويربك أيامهم، فالمازوت الذي يُعتبر المادة الرئيسية للتدفئة شتاء، غير متوفّر، وحتى البدائل عنه تكاد تكون غير متاحة.

يتمحور الهاجس البقاعيّ إذاً حول كيفية تأمين مازوت التدفئة للشتاء، بعدما رُفع الدعم عنه وأصبح متوفراً فقط في السوق السوداء، حيث يتراوح سعر التنكة ما بين 250 ألفاً و400 ألف للصفيحة الواحدة.

خيارات التدفئة لهذا الشتاء تقلّصت وانحصرت بالمازوت والحطب. خياران لا ثالث لهما. فتدنّي القدرة الشرائية وتحلل الرواتب، في ظل الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية، حالا دون تفكير البقاعيين حتى بالخيارات البديلة عن المازوت. وبعملية حسابية بسيطة، في حال أراد الموظف ذو الدخل المتوسط شراء المازوت من السوق السوداء لتدفئة منزله وعائلته، فهو بحاجة كمعدّل وسطيّ إلى 15 مليون ليرة لاجتياز فصل الشتاء. ويبدو أن خيار التدفئة على الحطب لم يعُد متاحاً للعائلات المحدودة والمتوسطة الدخل، نظراً إلى ارتفاع أسعار أنواعه كافة.

منذ سنوات، والطلب على الحطب محصور بالأثرياء. فكيف سيكون الحال اليوم، بعدما أصبح سعر الطن من حطب السنديان 4 ملايين ليرة؟ وبعدما كان سعر طن حطب السنديان اليابس والمقطّع 500 ألف ليرة، ارتفع السعر بشكل مطّرد بالتزامن مع ارتفاع سعر المازوت إلى مليون و500 ألف ليرة، ومن ثم إلى 3 ملايين و500 ألف ليرة للطن الواحد، كما يقول تاجر الحطب علي. ج لـ«الأخبار».

وعلى حدّ تعبيره، يرتبط سعر الحطب بالمازوت «ارتباطاً وثيقاً، لأن أعمال القطع على المناشير تحتاج إلى البنزين والمازوت، وكذلك نقل وتوضيب الكميات بسيارات البيك آب، وحتى نقلها وإيصالها للزبائن». وبعيداً عن نوعية النخب من السنديان، هناك نوعيات أقلّ جودة، كاللوز ودوالي العنب. في السياق، يشرح التاجر أن هذه النوعيات باتت «قليلة جداً، لعدم تخلّي أصحاب الكروم والبساتين من لوز ومشمش عن أشجارهم»، عازياً سبب امتناعهم عن قلعها وتقطيعها للحطب إلى «حداثة زراعتها، بعدما أقدموا على قطعها منذ سنوات، نتيجة العواصف الثلجية والصقيع الذي فتك بها».

يعتمد بعض البقاعيين كذلك على حطب الطبليات الخشبية، وهي من كسر أعمال البناء وألواح البوندي المطليّة بالزفت والزيت، ولكنها بحسب أحمد الحاج حسن «ليست مغرية»، لأنها سريعة الاشتعال والبيت يحتاج إلى كمية كبيرة، فيما يبلغ سعر حمولة الـ«بيك أب» من الطبليات مليوناً و200 ألف ليرة، وهي لا تكفي لأكثر من شهرين، «في حين يمتد صقيع البقاع من تشرين الأول حتى نيسان. وفي هذه الأثناء، لجأ تجار حطب الطبليات إلى تقطيع خشبها وتعبئته داخل أكياس خيش، على أن يُباع الكيس بسعر 15 إلى 20 ألف ليرة، وهو يكفي لليلة شتائية واحدة».

في الواقع، سبق أن اعتمد البقاعيون في عام 2007، مع ارتفاع سعر صفيحة المازوت وندرتها، على مدافئ خاصة على الفحم الحجري، الذي استُقدم من قبل تجار من تركيا وسوريا. ثمّ تمّ التخلي عن هذه المدافئ في العام نفسه، بعدما ثبت الخطر الفعلي على الإنسان والحيوان والبيئة، نظراً إلى تبعات انبعاث ثاني أوكسيد الكربون بكميات كبيرة جداً، تصل إلى 90% تقريباً.

وفي مواجهة هذه العقبات، لا يبدو أنه ثمة خيارات عديدة أمام البقاعيين، سوى رمي قلقهم وهواجسهم باتجاه القادم من الأيام. فلم يتبقَّ غير الانتظار. والمازوت الإيراني الذي سيدخل يوم غد الخميس من بوابة البقاع الشمالي إلى الأراضي اللبنانية، سيكون المرتجى لدى العائلات البقاعية، من أجل تأمين التدفئة وبأسعار بعيدة جداً عن سعر السوق السوداء.

ومن المرجّح أن يكون سعر الصفيحة 40 ألف ليرة، مع زيادة بدل نقل بقيمة 10 آلاف ليرة، ليصبح سعرها قرابة الـ50 ألف ليرة لبنانية. وقد اكتملت الاستعدادات البقاعية لاستقبال حمولة المازوت الإيراني، وسط فرحة عارمة لدى البقاعيين، كونها ستعالج المشاكل التي يرزح تحت نيرها البقاعيون واللبنانيون على حدّ سواء، وإحداها مشكلة التدفئة الشتائية.