في اليومين الماضيَين، تبلّغ السوريّون الذين يعملون ويقيمون في مرج بسري، بضرورة إخلاء مواقعهم في نهاية شهر تشرين الثاني الجاري كحدّ أقصى. وكان عناصر مخافر المختارة وجون وجزين، قد استدعوا أخيراً العمال السوريين لإبلاغهم قرار النيابة العامة التمييزية بإخلاء الخيم التي يقيمون فيها، وتقع ضمن الأراضي الزراعية التي يعملون فيها منذ سنوات. القرار القضائيّ استند بدوره إلى تقرير  صادر عن الأمن العام اللبناني موجّه إلى النيابة، تحدّث عن «وجود 20 غرفة زراعية يقيم فيها 130 عاملاً سورياً يعملون في أرض الدولة لحسابهم الخاص، من دون حسيب أو رقيب ويسرقون الكهرباء ويقطعون الأشجار ويستفيدون من مساعدات مادية وغذائية من الجمعيات».ولفت التقرير إلى تراجع عدد الغرف الزراعية في العاميْن الأخيرين، من 35 غرفة إلى 20، وانخفاض المقيمين من 174 فرداً إلى 130.

مصادر مواكبة لـ«الأخبار» لفتت إلى أن تحريك ملفّ العمال السوريّين المقيمين في المرج، بعد حوالى عام على تجميد العمل بمشروع سد بسري، «جاء في إطار محاولات الجهات السياسية الداعمة للمشروع، لإلغاء أي مظهر من مظاهر الحياة في المرج لفرضه كأمر واقع».

يُذكر أن الوزير السابق عن التيار الوطني الحر، غسان عطا الله، افتتح حملات التحريض على العمال السوريين، متهّماً إياهم بمحاولة إنشاء مخيّم للنازحين.

التجاذب السياسي والشعبي بين طرفَي النزاع، الرافض للسدّ من جهة والداعم له من جهة أخرى، دفع ثمنه العمّال، بعد أن دفعت الطبيعة والآثار الثمن الأول.

في السنوات الأخيرة، شهد المرج منازلات بين الطرفين. بعد أن أتمّت الدولة عبر وزارة الطاقة والمياه استملاك أراضي مرج بسري، استحدثت حواجز على مداخله لمنع أصحاب الأراضي والزوار من الدخول. ثم عملت أسنان الجرافات على اقتلاع بساتين الحمضيات والأشجار المعمّرة من سنديان وصنوبر وغيرها. وما أفلت من الجرافات، قضى عليه الإهمال واليباس. لكن الحملات الشعبية والمدنية استطاعت الضغط على البنك الدولي، كجهة مموّلة، لتجميد المشروع في مقابل مبادرة البعض لزراعة الأراضي المستملكة. بين هذا وذاك، كان العمال السوريون حرّاس المرج والأراضي البعيدة عن الأماكن السكنية. العمّال المقيمون حرسوا وزرعوا وأنتجوا خيرات كثيرة. منهم العائلة التي تحدّثت عنها الحركة البيئية اللبنانية، وتضمّ الأطفال محمد وعائشة ويوسف، المقيمين مع ذويهم في المرج. هؤلاء ساعدوا أهاليهم العمال في المرج على زراعة 500 شجرة شربين على مدخل مرج بسري. تعرّض الأطفال الثلاثة وحوالى 120 شخصاً آخر، لخطاب كراهية وعنصرية، بالرغم من أن القطاع الزراعي في المرج كما في سواه في لبنان يعتمد عليهم.

وفي بيان لها، نفت الحركة البيئية اللبنانية «ما يتم إشاعته من قبل بعض السياسيين، عن تحوّل مرج بسري إلى مخيّم للاجئين السوريين»، مؤكدةً على دور العمال السوريين «في مساعدة أصحاب الأراضي، وتحت نظر وعلم الأجهزة الأمنية بإعادة زراعة الأراضي المستملكة».   

ماذا عن العمّال ووضعهم الإنساني؟
يأسف الناشط في حملة مرج بسري، المهندس البيئي كريم كنعان، «للكلام الشعبوي ضد العمال السوريين، الذي يبرّر حفر المرج وتخريبه لتجنّب إقامة مخيّم للاجئين فيه».
وحول ما جاء في تقرير الأمن العام، عن أن السوريين يسرقون الكهرباء، لفت إلى أن «العدادات موجودة في المرج وتقوم مؤسسة كهرباء لبنان بالجباية. وفي حال علّق أحدهم على الشبكة، فعلى فرق الصيانة بدعم من وزارة الطاقة نزع هذا التعدي. أما عن ادّعاء قطع الأشجار، فمن قام بقطع أشجار الصنوبر والملول والدلب والسنديان في أحراش بسري والحرف والميدان، هو المتعهد داني خوري، المكلّف من قبل مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذ مشروع السد. واليوم تعيد الطبيعة تكوين نفسها».

الظلم الذي طال العمال السوريين ليس بقطع أرزاقهم فقط، بل بتشريدهم من دون تأمين البديل، بخلاف دراسة المشروع التي وضعها البنك الدولي ونصّت على التعويض على العمال والمقيمين وإعادة إسكانهم، وخصّص لذلك خمسة ملايين دولار. وهنا جزم كنعان بأن العمال السوريين لم يحصلوا على شيء.

بين منتصف ونهاية الشهر الجاري، يبدأ العمال السوريون بالرحيل. لم يشمل القرار اللبنانيين. لكن هل سيؤدّي العمال اللبنانيون وأصحاب الأراضي وحدهم مهمة زراعة الأرض وحراستها؟