لا يجد مدير مدرسة الإنجيلية النبطية، شادي الحجار، مبرراً لمعارك «كسر عظم» في اختيار لجنة الأهل في المدرسة و«كأننا في انتخابات نيابية»، فـ«المعادلة سهلة والزودة على الأقساط أمر واقع لا بد منه هذا العام، وأقول للجميع من الآن، أي محاولة للجنة الأهل المنوي انتخابها باتجاه استصدار قرار قضائي يمكن أن يمنع الإدارة من فرض الزودة، ستدفعنا حتماً إلى إقفال المدرسة».الحجار برّر «الزودة» المنتظرة والتي ستراوح بين 55 في المئة للمرحلة الثانوية و90 في المئة لمرحلة الروضات، بغياب القدرة على تأمين المصاريف التشغيلية، إذ إن «المدرسة ستحتاج إلى مليار ليرة هذه السنة لتأمين مادة المازوت فقط». وأوضح أن «معدل الزيادة على القسط سيكون 3 ملايين ليرة»، والزيادة تقررت بناء على «دراسة جدية» أجراها «السينودس» الذي يتولى إدارة 7 مدارس، وقد «حصرنا النفقات إلى الحدود الدنيا، فيما المطلوب دعم الأساتذة ليستمروا في تقديم التعليم الجيد والنوعي».
ولتمرير هذه «النَصُبة»، ستعمل المدارس، كالعادة، على «تعليب» لجان أهل «تشرّع» لها هذه الزيادة على حساب أولياء أمور التلامذة. فخلال هذا الفصل الدراسي، سيعود الأهل إلى انتخاب لجانهم، بعد قرار وزير التربية السابق طارق المجذوب، العام الماضي، تمديد عمل لجان الأهل لسنة واحدة، بناءً على شكاوى من محاولات بعض إدارات المدارس تعليب الانتخابات، وتشكيل لجان أهل لمصلحتها لثلاث سنوات مقبلة، مستغلة الواقع الصحي بسبب انتشار جائحة كورونا ما يحول دون تجميع الأهالي وخوض انتخابات فعلية.
ومع «الانتخابات»، تعود الحكايات التي يرويها المرشحون للجان الأهل عن محاولات إدارات المدارس، ومنها مدارس «عريقة» تابعة لاتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، العمل من تحت الطاولة لاختيار لجنة أهل تضمن الإدارة أنها ستوافق على موازنتها من دون رقابة فعلية على الأقساط والمصاريف التشغيلية.
في القانون، مدة ولاية اللجنة هي 3 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط. ويُشترط في عضو اللجنة أن يكون له ولد في المدرسة منذ سنتين دراسيتين متتاليتين على الأقل، وأن يكون موافقاً على نظامها الداخلي وقابلاً أحكامه وشروط تطبيقه. أما عدد الأعضاء، فيكون بمعدل ممثل واحد على الأقل عن كل صف، على ألا ينقص عدد الممثلين عن خمسة ولا يزيد على سبعة عشر. اللافت هو أن المشاركة واجب على الأهالي تحت طائلة إسقاط الحق نهائياً بالطعن في نتائج هذه العملية، ويكون النصاب قانونياً بحضور الأكثرية المطلقة من أولياء التلامذة (أي نصف عددهم زائداً واحداً).
أما في الواقع، فيشير بعض ممن بدأوا يختبرون الانتخابات لهذا العام إلى تجاوزات مختلفة للقوانين، لا سيما القانون 515 الخاص بتنظيم إعداد الموازنة المدرسية.
تعمل المدارس الخاصة على «تعليب» لجان أهل لتمرير قراراتها


في الغالب، لا يكون التدخل مباشراً من المدير/ة أو الموظفين الإداريين في العملية الانتخابية، بما يخالف القانون، إنما يمكن أن «يتطوّع» معلمون للاتصال بالأهل وحثهم على الاقتراع لإحدى اللوائح المتنافسة. ويبدو «اللعب» على المهل القانونية من أبرز وسائل التحايل لدى المدارس، كأن لا تعطي الإدارة الأهل وقتاً كافياً للتحضير والترشح وتشكيل اللوائح، وفي هذا مخالفة واضحة بالشكل. إذ ينص القانون 11/81 على وجوب الدعوة الشخصية إلى الانتخاب قبل أسبوعين على الأقل من تاريخ الاستحقاق.
إحدى المدارس الكاثوليكية لم ترسل تعميماً خطياً إلى الأهالي لإبلاغهم بموعد الانتخابات متذرعّة بالوضع الاقتصادي وعدم القدرة على تحمّل كلفة الأوراق! وضغطت إدارة مدرسة كاثوليكية أخرى لترشيح رجل دين، في مخالفة قانونية لكونه يقبض من جمعية تدعم المدرسة، ولم تتردد مدرسة ثالثة في «تزكية» مرشّح مضى على وجود ابنته في المدرسة سنة واحدة. فيما رفضت مدارس أخرى ترشيحات أعضاء سابقين في لجان أهل أنهوا دورة واحدة، بعد احتساب تمديد المجذوب الولاية لسنة واحدة كدورة انتخابية ثانية، باعتبار أن الأهالي لا يحق لهم الترشح إذا أمضوا دورتين متتاليتين. وفرضت مدارس أخرى شروطاً تعجيزية على المرشحين مثل تأمين سجل عدلي ونسخة مصدقة عن الشهادة الجامعية، وهي مستندات لا ينص عليها القانون.
اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور حاول، بحسب رئيسته لمى زين الطويل، إيجاد حلول لبعض الشكاوى التي وصلته بالتعاون مع مصلحة التعليم الخاص. إلا أن الطويل وضعت هذه التجاوزات في عهدة وزير التربية عباس الحلبي، وسألت عن دور الوزارة في معالجة التجاوزات الكثيرة في العديد من المدارس التي لا يدرك الأهالي فيها دورهم الحقيقي، وما إذا كان الأمر لا يستوجب الرقابة على الإجراءات التي تقوم بها المدرسة للتأكد من تطبيقها للقوانين. وقالت الطويل: «المريب أن يأتي الالتفاف على القوانين من مدارس عريقة عمرها مئات السنوات ويفترض أنها تعي كل التفاصيل»، مشيرة إلى أن الاتحاد «يقوم، بوسائله المختلفة، بالتوعية حول الدور التمثيلي والقيادي للجان الأهل، والمتمثل بتنظيم الموازنة المدرسية، ومراقبة الموازنة السنوية للمدرسة ومناقشتها والتدقيق فيها لجهة المصاريف والدخل، والموافقة عليها، ومواكبة الحياة المدرسية ونوعية التعليم والتعاون مع إدارة المدرسة لتحسينها. بمعنى ما، تؤدي لجان الأهل دوراً محورياً وحاسماً في أي مدرسة».
وفي العادة، لا تكتفي إدارة المدرسة بتسهيل انتخاب الرئيس والهيئة المالية المؤلفة من عضوين، إذ تبقى لديها مخاوف وشكوك بشأن إمرار الموازنة، لذا يلجأ البعض إلى ممارسة نوع من الضغوط النفسية على الهيئة المالية، فتوزع الموازنات بنحو شخصي مع مراقبة مشددة، ولا يسمح للهيئة المالية بأخذها خارج المدرسة لدراستها في مهلة الـ 10 أيام التي تنص عليها المادة 10 البند 7 من القانون 515، ولا يمكنها الاستعانة بمدقق أو محاسب للتدقيق في الحسابات من خارج الهيئة المالية لمراجعة الموازنات، بل غالباً ما تُختار الهيئة المالية من خارج المتخصصين في المحاسبة والإدارة. في هذه الأجواء، يشعر عضوا الهيئة بأنّهما مجبران على التوقيع، علماً بأن القانون ينصّ على حقهما في دراسة الموازنة لمدة 10 أيام وعرض تقريرهما أمام كل أعضاء لجنة الأهل للموافقة عليه في مهلة 15 يوماً، بحسب البند 8 من المادة نفسها. لكن ما يحصل غالباً أن إدارة المدرسة ورئيس لجنة الأهل لا يعرضان الموازنة على لجنة الأهل، بل يلجآن إلى الخيار الثاني، وهو التوقيع من دون إطلاع لجنة الأهل على تفاصيلها التي تكون تقنية في العادة، وتحتاج إلى أشخاص لهم باع في المحاسبة أو الأمور الإدارية والميزانيات لشرحها وكشف القطب المخفية فيها. وإذا قرر أي عضو أن يطلب تفسيراً من الإدارة، يحصل على تفسير معقّد أكثر من الموازنة نفسها!
وغالباً ما يتساهل الأهل في هذا الموضوع. فجزء منهم يوقّع لأنه أتى بالتوافق مع إدارة المدرسة، بالتالي يخدم مصالحها، وجزء ثانٍ منهم يخضع لإغراءات إدارة المدرسة مثل إعفائه من كامل القسط أو من جزء منه، ويخشى بعض الأهل الضغوط التي يمكن أن تمارسها الإدارة على أبنائهم، وهناك جزء ثالث يوقع لأنه لا يملك المعرفة المالية والحسابية للتدقيق في الموازنة ويتأثر بكلام الإدارة وحساباتها والتهويل والأجواء المرافقة. ولو كان هناك تمثيل فعلي، لكانت المعركة الحقيقية التي يخوضها الأهل ضد زيادة الأقساط وليس ضد رواتب المعلمين.