لا نزال نعيش في مجتمعات تهوى «المحرمات» علناً وتهوى كسرها سراً. كثيرةٌ هي القيود التي يخلقها المجتمع ليكبّل أشخاصاً وممارسات، فتحظى المرأة بالحصة الأكبر من هذه القيود حتى أصبح جسدها قالبا مستقلا عن أي مشاعر وأحاسيس وأصبحت رغباتها عاراً. يُعدّ الجنس أكبر هذه المحرمات، وكل ما له علاقة به على نحو مباشر أو غير مباشر هو تجاوز لمنظومة القيم الأخلاقية. فالمجتمع يرى أنّ عليه أن يؤثر في خياراتنا الجنسية، مثلما يؤثر في خياراتنا السياسية والثقافية...
حتى التوعية حول الصحة الإنجابية والجنسية كانت حتى وقت قريب تمثل جزءاً من لائحة العيوب المتعارف عليها. أما اليوم، وعلى الرغم من عدم تحبيذها في معظم الأوقات، فإن هذه التوعية أصبحت حاجة ضرورية وماسّة للحفاظ على صحّة المجتمع النفسية والبيولوجية على حد سواء، فيبرز دور الأهل والمؤسسات التربوية وصولاً إلى الإعلام، وهو الوسيلة الأقوى اليوم. من هنا نظمت «مجموعة عمل الصحة الإنجابية والجنسية للشباب» في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت ورشة عمل للإعلاميين بعنوان «إشراك الإعلام في نشر التوعية وتعزيز المعرفة حول الصحة الإنجابية والجنسية للشباب في لبنان».
يجوز ألا يتقبّل البعض الأرقام التي خلصت إليها الأبحاث، بداعي التمسّك بمنظومة المفاهيم والقيم والمعتقدات المتوارثة، إلا أن الواقع يكشف لنا وجود نسبة 8% من فئة الشباب، الذين اعترفوا بوجود علاقة جنسية، و60% ليس لديهم مانع في إقامة علاقات جنسية قبل الزواج، وفق ما يؤكده الدكتور في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية فيصل القاق. هذه الأرقام توضح جزءا من التغيير الحاصل في المجتمع، وبالتالي يجب التعامل معها على نحو علمي وواقعي بدل الهروب منها والدخول في حالة النكران. فالأبحاث يجب أن تتحول إلى سياسات يؤدي الإعلام دوراً أساسياً في إنجازها ونشرها، إلا أن مقاربة الإعلام لمواضيع الصحة الجنسية ينقصها فهم الإطار السليم والتحولات العالمية للصحة الجنسية في ظل غياب التخصص. يوضح القاق أنّ الجنسانية «هي تعبير أعلى من الجنس والصحة الجنسية، إذ إنها أدخلت مفهوما جديدا للجنس باعتبارها أحد جوانب الإنسانية الملازمة للإنسان. ما طرح 3 نقاط أساسية هي: أهمية المتعة، التأكيد على مفهومي المسؤولية وغياب الإكراه في الممارسة الجنسية، وتصنيف الحقوق الجنسية جزءا أساسيا من حقوق الإنسان، بحيث لم تعد وظيفة الجنس هي الإنجاب فقط».

60% من الشباب
ليس لديهم مانع في إقامة علاقات جنسية قبل الزواج


إشكاليات عدّة طرحها المشاركون، أبرزها الموقف المبدئي للإعلام من الجنسانية كموضوع سياسي – اجتماعي. يندرج الشق السياسي هنا في إطار الاعتراف بالحقوق الجنسية كجزء أساسي من حقوق الإنسان بعيداً عن الابتذال الذي يطغى على معظم المواد الإعلامية عند التطرق إلى موضوع الجنسانية؛ وبالتالي على الإعلام أن يضع رؤية واضحة لنشر هذه المفاهيم الحقوقية التي ستجري مواجهتها بشراسة من قبل المجتمع، وتحديداً رجال الدين في معرض دفاعهم عن «مصالحهم» بغية إبقاء تقييد جنسانية المرأة. إلا أن طرح الإعلام لموضوع الجنسانية من منطلق زيادة عدد القراء أو المشاهدين، يؤدي إلى تشويه المنحى التوعوي والتثقيفي وزيادة التشبّث بالمحرمات من خلال الترهيب، وهذا ما عكسته مداخلة إحدى المشاركات، التي رأت أن «العناوين التي يضعها البعض مثل «ما لا تعرفينه عن المتعة»، تعني أن هناك شيئا خطيرا لا تعرفينه وسنُعلمك به، إذاً هو ترسيخ للمحرمات».
تشير الدراسات إلى أن معدل الزواج في لبنان ارتفع من 24 سنة للذكور و20 سنة للإناث عام 1970، إلى 33 سنة للذكور و29 سنة للإناث عام 2012 . وهذا التأخر في عمر الزواج أدّى إلى زيادة الفجوة بين معدلي عمر البلوغ (15 سنة) وعمر الزواج (30 سنة)، ما يسبب انعكاسات خطيرة، أبرزها ازدياد الإكراه الجنسي، الأمراض الجنسية، الإجهاض، الحمل غير المتوقع... لذلك فإنّ التوعية حول الصحة الجنسية والإنجابية يجب أن يجري التعامل معها كانعكاس على المجتمع بأكمله، لا على المرأة فقط، وبذلك نكون في صدد حماية مجتمع، لا أفراد فقط، لأن المرأة عندما تتصالح مع جسدها نفسياً وصحياً، تخفّف الكثير من المشاكل والأمراض التي يمكن أن تحصل نتيجة غياب الثقافة، إذ يؤكّد القاق أنّ «90% من الالتهابات الجنسية لا تظهر لها عوارض، إذاّ هناك خطر نقل العدوى من دون المعرفة».
خلص المشاركون إلى أن التوعية يجب أن تبتعد عن القنوات التقليدية للإعلام، الذي يتوجّه إلى الأهل ويترك لهم مهمة إيصال المعلومة إلى أولادهم، وهو أمر لا يقوم به الأهل مع الذكور، مسلّمين بأنّ هؤلاء يعلمون، وبالتأكيد لا يقومون به مع الإناث سوى قبل فترة قليلة من الزواج، باعتبار أن الحياة الجنسية للأنثى تبدأ مع الزواج، كما أنّ على المعلومات المقدّمة أن تؤدي إلى تغيير في السلوكيات الخاطئة لا إلى حشو معلومات فقط، إضافةً إلى الابتعاد عن المواضيع المعتادة كالإجهاض وسرطان عنق الرحم، وغيرها من المواضيع التي تُطرح والدخول إلى عمق الإشكالية لتصبح الحقوق الجنسية، وما تتضمنه من متعة واكتفاء وإنجاب وهوية جنسية...، مكرسة في المفهوم المجتمعي كحق طبيعي للمرأة كما للرجل.