«وضع البلد صعب، وكل همّنا لقمة العيش لا أكثر، لكنّهم يستغلون حاجتنا إلى العمل» هكذا يعبّر أحد الموظفين في قطاع المطاعم عن حاله وزملائه، بعدما وصلوا إلى حال يرثى لها بسبب حرمانهم من أقلّ حقوقهم. حرمان يكتمل مع التهديد بالفصل من العمل، وفق ما يروي حسام عن آخر موقف تعرّض له عندما ذهب لتقاضي راتبه وتبيّن أنه «فراطة لا قيمة لها». صرخ محتجّاً، فطلب منه المدير مراجعة قسم المحاسبة. وهناك، هدّد بتقديم شكوى إلى وزارة العمل فأجابته رئيسة القسم: «افعلها وتصبح فوراً في البيت». خاف حسام على فرصة العمل الوحيدة المتاحة له لإعالة عائلته، فتراجع عن قراره.
الرواتب... على الساعة
لا راتب ثابتاً للكثير من العاملين في المطاعم، وإن كان الرائج أنها تتراوح بين مليونين إلى ثلاثة ملايين ليرة شهريّاً في أفضل الحالات، متضمنة بدل النقل. «يا ريت عم نلحق 100$ شهريّاً، عم نخاف نجوع وعايشين على شعرة من الهاوية» يقول حسام، مؤكداً أنّ «الرّاتب الذي يكفي لآخر الشهر أصبح حلماً». فالمفارقة حاصلة بين ما يتقاضاه الموظف وبين ما يحتاجه شهرياً. أما المواصلات، فلا يحصل عليها الموظفون في هذا القطاع في مخالفة لكلّ القوانين. «يوميتي 60 ألفاً، ووزارة العمل أقرّت بدل نقل 65 ألفاً» يقول عمر، الذي يعمل في أحد مطاعم بيروت لكي يساعد أمه العاجزة، ساخراً. وتزداد النقمة على أصحاب المطاعم من موظفيهم عندما يُجبَرون على التوجّه إلى المطعم ليعملوا ثلاث أو أربع ساعات فقط يومياً. هذا الأمر نتيجته أن يتقاضى موظف في أحد المطاعم المعروفة في منطقة بشارة الخوري «91 ألف ليرة فقط، أما زميلي فقد تقاضى 170 ألفاً، وعندما سألنا عن السبب كانت الإجابة: هلقد اشتغلتوا».

لا حقوق وظيفية
لا تقتصر ظروف العمل السيئة على الرواتب الزهيدة، بل تطاول الانتساب إلى الضمان الاجتماعي أيضاً. يؤكد أحد الموظفين أنه يعمل في المطعم منذ أكثر من سنة «حتى اليوم لم أنتسب إلى الضمان الاجتماعي، علماً أن القانون يقول إنه يجب أن أضمن بعد ثلاثة أشهر من العمل». الطريف أن «الإدارة تطلب منّا كل شهرين أو ثلاثة، سجلاً عدليّاً بحجّة الضمان، ثم يرمون الأوراق في الدُّرج كي يُسكتوننا». والمشكلة نفسها يعاني منها محمد الذي يعمل في أحد المطاعم منذ ثلاث سنين «وعندما طالبت بالضمان الاجتماعي لحفظ حقوقي، هدّدوني بالطرد من الوظيفة!».
يفرض على الموظفين العمل بنظام الساعة فتتراوح رواتبهم بين 91 إلى 170 ألف ليرة


وهذه ليست المخالفة الوحيدة لقانون العمل، بل يضاف إليها إرفاق التهديد بالطرد بالتأكيد على إمكانية الاستغناء بسهولة عن العامل في ظلّ وجود بدائل تتمثّل بالعمالة الأجنبية، علماً أن القانون اللبناني يلزم المؤسسات بأن تكون نسبة العاملين اللبنانيين لديها 80%. «ادخل واسأل كل منهم في الداخل، من منهم لبناني؟ هل تصدّق أننا نشعر أحياناً أننا لسنا في بلدنا لأننا قلّة في المطعم؟» يقول أحد الموظفين ويتابع: «يا رجل، مطعم في قلب بيروت، يعمل فيه عشرة لبنانيين وخمسون من جنسيات مختلفة!».

حوادث العمل والتأمين
ورغم كلّ ما سبق، لا يحظى هؤلاء بأي رعاية صحية في حال تعرّضهم لإصابة في العمل. علي، العامل في مطعم للدجاج المقلي، حرق يده بمقلاة دجاج حرارتها 170 درجة مئوية: «أعطوني مرهم الإطفائيّة للحريق فيما كنت بحاجة إلى مستشفى، حتى هذا المرهم غير صحّي أصلاً وفق ما قيل لي في المستشفى، ولم يعوّضني أحد بعدها». ويكمل زميله عنه قائلاً: «منذ ثلاثة أشهر تعرّضت لحادث مشابه ومعاملة مشابهة، ما حدا مأمّن علينا ولا يعوّضون ولو تشقفنا». في المقابل، يحرص أصحاب المطاعم على تأمين الآليات المخصصة لنقل البضائع، «التأمين بس على باص المؤسسة، نحن ستين عمرنا ما نرجع حسب ما بدو صاحب المطعم، المهم الحديد ما ينزّل دم إذا انضرب»، يقولون ساخرين من واقعهم.

حسومات بالجملة
يحرم العاملون في هذه المطاعم أيضاً من عطلهم السّنوية، والأسبوعية أحياناً. يقول أحدهم «نحن لا نعرف العطل السنوية، ولا نتقاضى بدل عدم حصولنا عليها، أما العطلة الأسبوعية فنحصل عليها بعد معاناة. جدياً، لا نشعر بأننا بشر متل بقية النّاس». حتى العطل المرضيّة غير مسموحة، ولو كان سبب التغيّب إصابة عمل «يُحرم المريض أو المصاب من راتبه، كما حصل مع أحد الموظفين الذي كُسرت رجله في المطعم وحسموا من راتبه بسبب غيابه».
وفي متاهات الحسومات، يتبارى مديرو المطاعم وأصحابها في الحسم من الرواتب تحت مسمّى «الشّطارة بالتّوفير». فابتدع أحد أصحاب المطاعم قانوناً للخصومات يزعم أنّه تقليد لأنظمة المطاعم الأميركيّة، مفاده: «تأخير 10 دقائق يعني خصم نصف ساعة، تأخير نصف ساعة يعني خصم ساعتين، أما تأخير ساعة واحدة فيخصم نهاراً كاملاً، هذا من دون وضع أيّ عذر لأي موظّف مهما كان». يصف الموظّفون هذا القانون مجمعين «لا يمتّ للإنسانيّة بِصلة».

تقدّموا بشكاوى!
يرفض وزير العمل مصطفى بيرم ما يحدث مؤكداً أن «القانون ألزم جميع المؤسسات التصريح عن موظّفيها كلّهم، بأسمائهم وأوراق ثبوتيّتهم ما يمنع أي تلاعب قانوني، ولن يستطيع أحد أن يضع قانوناً على قياسه». ويدعو الموظّفين المتخوّفين من التّقدّم بشكوى إلى «إرسال شكوى بالتفاصيل كاملة إلى الوزارة، وسوف نرسل مفتّشين لكي نقوم بعدها بأخذ الإجراءات القانونيّة، وليعلم كل الموظّفين أنّ الشكاوى تبقى سرّيّة ولا نصرّح عن اسم المتقدّم بها، شرط أن تكون المؤسسة قد تجاوزت القوانين».