لم يصمد قرار مجلس الوزراء القاضي بهدم مبنى الأهراءات في مرفأ بيروت طويلاً، إذ من المتوقع أن يصدر قرار آخر استثنائي، في غضون أيام، يقضي بتعديله بحيث يقتصر الهدم على الجزء الشمالي المتبقي من المبنى والعمل على إمكانية تدعيم الجزء الجنوبي منه للحفاظ عليه تخليداً لذكرى المجزرة التي حلّت هناك. بحسب هذا القرار، الذي خرج على إثر اجتماع عقد أول من أمس في السرايا الحكومية بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير البيئة ناصر ياسين والنائبين ملحم خلف ونجاة صليبا، يقضي التوجه بهدم صوامع الجزء الشمالي وتنظيف المكان من الردميات والحبوب على وجه السرعة، قبل العمل على دراسة إمكانية تدعيم وإعداد مخطط لكيفية تدعيم وحماية الجزء الجنوبي.
مع ذلك، لا يعني التوافق على التعديل أن القرار بات نافذاً. فالسؤال الذي يطرح اليوم بعد قرار كهذا: هل التدعيم ممكن؟

الدراسات تحسم
لا جواب إلى الآن، بحسب وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين، إذ إن الحسم يستوجب "علينا إعداد التقارير الفنية والاطلاع على الآراء لبحث معايير التدعيم وتفاصيله وتكاليفه"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه تواصل مع "نقابة المهندسين للسؤال وخصوصاً أنهم كانوا قد أعدّوا تقريراً عن هذا الأمر". وأشار ياسين إلى أن "المطلوب اليوم هو إعداد دراسة فنية متكاملة تأخذ بالحسبان كل الآراء الهندسية قبل الاستقرار على رأي محدد، ومن المفترض أن تكلف الحكومة فريقاً مختصاً للقيام بهذا الأمر".
إذاً، لا حيثيات واضحة إلى الآن، وما اتّخذ في اجتماع أول من أمس في السرايا الحكومية هو مجرّد قرار بالتعديل. مع ذلك، يسجّل بعض الخبراء المتابعين لوضع مبنى الأهراءات بعض الملاحظات على هامش هذا القرار. ملاحظات تجعل الطريق نحو التنفيذ شائكة، ولا سيما في ما يتعلق بوضع أساسات المبنى المتصدّعة من جهة، والحريق القائم في جزئه الشمالي منذ 35 يوماً من جهة ثانية. هذان العاملان يقفان اليوم حائلاً أمام أيّ قرار قد يكون أحد فصوله الاستعانة بعناصر بشرية.

ملاحظات تنفيذية
في هذا السياق، يتطرّق الدكتور محمد أبيض، رئيس اللجنة العلمية لمعالجة الحبوب في مرفأ بيروت إلى أولى المشكلات وهي المتعلقة بكيفية هدم الجزء الشمالي لسببين "أوّلهما أنه لا يمكن تعريض حياة أي عامل للخطر بسبب عدم وجود أساسات للمبنى، وثانيهما عدم وجود آلية للتعامل مع حريق الذرة المشتعل والحرارة العالية المنبعثة منه". من هنا، يرى أبيض أن هذا القرار "فات أوانه... ما فينا نهدّ".
أما في حال تطبيق قرار الهدم، فستبرز مشكلة تتعلّق بعملية تنظيف الجهة الشمالية، ولا سيما الجزء المتعلق برفع الردميات التي سيخلفها الهدم. يسأل أبيض عن مصيرها وعن المكان الذي ستنقل إليه وهي أسئلة تعيدنا إلى المشكلة التي لا تزال قائمة مع جزء من الردميات التي خلّفها انفجار المرفأ والتي لم ينته فرزها إلى الآن!
في الجزء الجنوبي مشكلات أيضاً؛ منها كميات القمح المخزّنة في الصوامع


لا تنتهي الملاحظات عند حدود الجزء الشمالي من المبنى، إذ إن الجزء الجنوبي أيضاً دونه بعض المشكلات؛ منها، بحسب أبيض، مشكلة كميات القمح المخزّنة في الصوامع، والتي تقدر بحدود 3600 طن، معظمها موجود في الصومعتين الأكبر حجماً. ولذلك يستوجب التعامل مع هذا الجزء العمل على "حلّ معضلة القمح بسرعة قبل الدخول في سيناريو التخمّر واشتعال الحرائق"، وهذا يفترض حكماً "إعداد دراسة متكاملة لحلّ مشكلة إفراغ الصوامع من القمح، وتحديد كلفة التدعيم". ويلفت إلى أن إفراغ الصوامع "ليس سهلاً، وخصوصاً أن الأساسات في الجهة الجنوبية ليست سليمة بالمطلق، وإن كانت ثابتة". وهذا يعني "أن أحداً لن يكون قادراً على الدخول إلا إذا كان انتحارياً". ولأن الأعمال ستكون صعبة نسبياً، يتحدث أبيض عن سيناريو هدم الصومعتين اللتين تحتويان على القمح، على أن تبقى أربع صوامع.
في الخطوة التالية، يأتي التدعيم. وهو يحتاج أيضاً إلى دراسة تأخذ بالحسبان "إمكانية التدعيم ومن ثم إيجاد الآلية المناسبة لذلك"، مع ما يستتبع ذلك من الحديث عن كلفة التمويل وتالياً الجهة التي يفترض أن تموّل. وهذه أيضاً مشكلة إضافية تنتظر ما ستؤول إليه النقاشات داخل اللجنة الفنية التي شكّلت أخيراً من ممثلين عن الوزارات المعنية وإدارة المرفأ وهيئة إدارة الكوارث. فهل ستكون قادرة على الحسم؟