لا سقف، هذا العام، لتسعيرة خدمة النقل المدرسي. هي اليوم أقرب إلى البورصة لكونها ترتبط ارتباطاً مباشراً بتقلّبات أسعار المحروقات، المرتبطة بدورها بسعر صرف الدولار الأميركي الذي يتحكم بما يمكن أن تفرضه المدارس على الأهالي. ولئن كانت معظم المدارس لم تحسم نهائياً بدلات خدمة النقل بانتظار التحاق كلّ المراحل التعليمية، إلا أن الصورة باتت شبه محسومة: التحوّل نحو الدولرة. هكذا، اختصرت معظم المدارس الخاصة الطريق والتحقت بالسوق السوداء، فارضة على أهالي الطلاب دفع بدلات بـ«الفريش»، أو على أساس سعر صرف الدولار «كلّ يوم بيومه». أما المدارس التي أبقت تسعيرتها بالليرة اللبنانية، إلا أنها لم تعلنها نهائية طيلة العام الدراسي، بل أخضعتها إلى «النقاشات الدورية للتعديل بما يتلاءم مع تقلبات الأسعار وغلاء المعيشة»، على ما يقول مصدر في إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة. ولذلك، فقد عمدت هذه المدارس إلى إبلاغ الأهالي عند التسجيل بخدمات النقل المدرسي بأنها بدلات غير نهائية «وهي قابلة للتعديل مع أيّ ارتفاع مفاجئ بسعر صرف الدولار وتالياً أسعار المحروقات». وقد أحدثت قرارات هذا العام «إرباكاً للمدارس، إذ كنا سابقاً نحسم بدلات خدمة النقل مع بداية العام ثم ينتهي كلّ شيء، أما اليوم فنحن على موعد مع حفلة شهرية للنقاش ما بين الإدارة وبين السائقين مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية للأهالي». مع ذلك، «غالباً ما تكون القرارات التي نتّخذها غير مرضية إن كان بالنسبة إلى السائقين أو الأهالي». أما تبعات هذا الأمر، فمراجعات بالجملة من الطرفين. وفي هذا السياق، يشير أحد المسؤولين عن ملف النقل في مؤسسة مدارس المهدي إلى أنه «ما في سنة من السنين وصلنا مراجعات متل هالسنة»، والخوف اليوم من إمكانية توقف العام الدراسي «بسبب وصول الأهالي إلى المكان الذي يعجزون فيه عن دفع بدلات النقل».

تسعيرة لكلّ منطقة
تتحكم عوامل عدّة في تقدير المدارس لـ«أقساط» النقل. وإن كان هناك عوامل مشتركة، إلا أن ثمة أسباب أخرى تجعل من التسعيرة... تسعيرات. وغالباً ما تشترك المدارس في عوامل أساسية منها تقلّبات سعر صرف الدولار الأميركي في السوق، مروراً بالميكانيك وصيانة الآليات وليس انتهاءً برواتب السائقين. أما العوامل الأخرى فتختلف بين مدرسة وأخرى، ومنها مثلاً «عقود التأمين للسائقين والتي باتت تدفع بالفريش دولار، يُضاف إليها سعة الباص والموديل لأن ذلك يؤثر على سعر قطع الغيار، وأيضاً ربحية السائق خصوصاً في حالة التعاقد، أي أننا لا نملك الآليات»، على ما يقول أحد مسؤولي النقل. وربحية السائق هنا «بات لها حساباتها، إذ إن ما كان يرضى به السائق العام الماضي لم يعد يرضيه هذا العام لسبب مهم هو الغلاء المعيشي، فالمئة دولار التي كانت تكفي معيشة أسبوع العام الماضي، لم تعد تكفي هذا العام لأكثر من يومين»، على ما تقول سهير الزين، مديرة مركز الأبحاث والتطوير التربوي في جمعية المقاصد. وينعكس «عدم الرضا» هنا «على المعلمة المرافقة في الباص، فهذه الأخيرة التي كانت ترضى العام الماضي بـ500 ألف ليرة باتت اليوم بحاجة لأضعاف هذا المبلغ».
تخوّف من توقف العام الدراسي بسبب عجز الأهالي عن دفع بدلات النقل


ولأن هذه العوامل مطّاطة، كانت التسعيرة كذلك. فقد اتخذت المدارس تلك العوامل حجة لفرض التسعيرة التي تبقيها «رابحة». فبالنسبة إلى المدارس، تشبه هذه الورقة في ربحها ورقة الأقساط، وإن كانت الحجّة هي الاستمرارية. هكذا، لا غرابة في تأرجح بدل خدمة النقل المدرسي ما بين 450 ألف ليرة شهرياً في إحدى المدارس ووصولها في مدرسة أخرى إلى 70 دولاراً أميركياً!
أضف إلى ذلك أن هذه التسعيرة ليست واحدة حتى ضمن المدرسة الواحدة، إذ تختلف هذه الأخيرة بحسب منطقة السكن وطول المسافة. ولذلك، عمدت معظم المدارس إلى تقسيم المناطق إلى خطوط ومربعات، بحيث أن تسعيرة المنطقة الأولى تختلف عن تسعيرة المنطقة الأخيرة. وفي هذا السياق، يشير أحد مسؤولي النقل في إحدى مدارس منطقة بعبدا إلى أن «تسعيرة النقل في المنطقة القريبة من المدرسة يُراوح ما بين 450 و700 ألف ليرة، ويصل في آخر منطقة تصل إليها خدمة النقل المدرسي ما بين مليون و200 ألف ليرة ومليون و600 ألف ليرة شهرياً». وبالدولار الأميركي، اختلفت التعرفة الشهرية ما بين 41 و70 دولاراً أميركياً وسنوياً ما بين 500 دولار أميركي و1500 دولار!

خيارات الأهالي: تنكة بنزين
وليست تسعيرة النقل واحدة ما بين بيروت والمناطق. ويرجع هذا الاختلاف إلى «القدرة الشرائية»، حيث ترتفع الأكلاف أكثر في المدن. وحتى بين المناطق، تختلف التسعيرة بين منطقة وأخرى، «فما يؤخذ في البقاع ليس هو نفسه ما يسري على الجنوب، وما يسري على بعلبك مثلاً لا يسري على حوش الرافقة مثلاً، فهذه أيضاً تختلف تسعيرتها»، يقول أحد مسؤولي النقل في البقاع، مشيراً إلى أن «الأكلاف في بعض المناطق تُراوح شهرياً ما بين 300 ألف شهرياً وبين تنكة بنزين!»
أما لماذا يحدث ذلك؟ فبسبب «قوة كارتيلات المدارس غير المحدودة بسقف»، تقول مصادر في وزارة التربية. وما يعزّز هذه القوة أنه في القانون «لا سلطة لوزارة التربية على المدارس الخاصة، وأقصى ما يمكن أن تفعله هو المراقبة التي لا تتم أصلاً»
هذا الواقع يدفع ثمنه الأهالي الذين يجدون أنفسهم اليوم أمام تحديين أساسيين: تحدي دفع الأقساط المدرسية التي بات نصفها بالدولار الفريش، وتحدي دفع بدلات خدمة النقل التي باتت توازي القسط المدرسي وتتفوّق عليه في بعض المدارس. أمام هذا الواقع، يفتش الأهالي العاجزون أمام فواتير الأقساط، عن الحلول الأوفر، فاتجه بعضهم إلى الاستعانة بـ«الباصات الصغيرة». وفي هذا الإطار، تقول زينب «اتخذنا قراراً هذا العام بإرسال الأولاد بالفانات، صحيح أنها ليست آمنة كثيراً، ولكنها أوفر من الالتحاق بالنقل المدرسي». تحسبها زينب اليوم «بالقلم والورقة»، فبدلاً من أن ندفع بـ«الملايين، ندفع بمئات الآلاف ونوفّر ما يبقى لسد الأقساط». أما ليلى فقد اتخذت خياراً آخر: أن تنقل أطفالها بسيارتها، على أن «أنقل معي طالبين أو ثلاثة في المدرسة نفسها مقابل تنكة بنزين عن كلّ تلميذ شهرياً». هذا الخيار هو الأكثر رواجاً اليوم بين الأهالي، حيث تعجّ مجموعات الأهالي بـ«نداءات» على تلك الشاكلة للتخفيف من الأكلاف. أما الخيارات التي تأتي في المرتبة الثانية، فهي الانتقال من مدرسة إلى أخرى أقرب إلى مكان السكن، وهو ما لاحظت بعض إدارات المدارس، وما تنقله سهير الزين من جمعية المقاصد بالقول «لاحظنا انتقالاً بين فروع المدارس في الجمعية، حيث يقوم الأهالي بنقل أبنائهم من فرع إلى آخر أقرب في المسافة إلى المنزل أو أخفّ كلفة».