«ما بكفي أحبابنا عم يدوبوا قدام عيوننا، وفوق هيك محرومين نعالجهم لنكسب كم يوم زيادة معهم». بهذه العبارات التي تخنق صاحبتها، تروي لنا جنى رحلة عائلتها في تأمين العلاج اللازم لوالدها المصاب بالسرطان. لا تقلّ معاناة عائلات المصابين بالسرطان، عن معاناة المريض نفسه. فإلى الشق المادي والنفسي من الموضوع، بات تأمين الدواء يشكل العبء الأكبر. لا تخفي جنى أنّ أقصى أمنية لديها باتت في الحصول على أيام إضافية تعيشها مع والدها، الذي يواجه الموت الحتمي بسبب انقطاع الأدوية. فقد اضطر والدها الستيني الذي يواجه سرطان الأمعاء، إلى إجراء نصف جلسة علاج كيميائي منذ أسبوعين، بسبب انقطاع أحد الأدوية اللازمة له. وفيما والدها لا يعلم بعد بإصابته بالسرطان، بدأ المرض ينتشر في أنحاء من جسده، ممتدّاً نحو البنكرياس والكبد، ما أدّى إلى تأخير إعطائه جرعات الدواء الكيميائي المقطوع عن الصيدليات والمستشفيات. فانقطاع أدوية معالجة السرطان، منذ عامين، والشحّ في توزيعها، أدّيا إلى ازدياد أعداد المرضى الذين باتوا يصارعون الموت، حتى لو اكتُشف السرطان مبكراً. إذ يُسهم التأخّر في تلقي العلاج، ضمن بروتوكول خاص بكلّ مريض، في تكاثر الخلايا السرطانية وانتشارها في أجزاء أخرى من الجسم وبالتالي وصول المريض إلى مرحلة متقدّمة من المرض يصعب النجاة منها!

سماسرة الدواء
سجّل لبنان عام 2021 أكثر من 28 ألف إصابة بالسرطان، منها 11 ألفاً عام 2020. يواجه المصابون/ات اليوم، وغيرهم (يسجل لبنان سنوياً 12 ألف حالة جديدة للسرطان) إبادة جماعية، تتورّط فيها جهات عدة من ضمنها وكلاء الأدوية ووزارة الصحة وتجّار السوق السوداء. فيوزّع الدواء (هناك 445 دواء لمرضى السرطان لا يتوفّر منها في لبنان سوى العشرات) على نسبة لا تقل عن 20% من هؤلاء، فيما ينتظر البقية دورهم في الحصول عليه، وقد يمتدّ الأمر إلى أشهر عدة، ويبقى المريض أسير الانتظار وتراجع حالته الصحية، وصولاً إلى انتشار المرض في جسده. فيما يضطرّ البقية إلى اللجوء إلى السوق السوداء الناشطة في لبنان، والتي دخلت فيها أخيراً حتى صيدليات معروفة، تستجلب الدواء وتبيعه بالفريش دولار، لمن استطاع إليه سبيلاً.
اضطر المريض إلى إجراء نصف جلسة علاج كيميائي بسبب انقطاع الدواء


يروي لنا عماد الذي تعاني والدته (50 عاماً) من سرطان في المثانة، صعوبة إيجاده الدواء الخاص بحالتها، والذي يتمثل بحقن تؤخذ في المصل. يقصد عماد إحدى الصيدليات المعروفة في بيروت التي باتت تأتي بالدواء من تركيا على تسعيرة الدولار، بعدما انقطعت الحقن في باقي الصيدليات، ووصل سعر الواحدة منها إلى مليون ليرة، عدا كلفة الأطباء الذين يتولون تأمين عملية الحقن. يسرّ لنا الشاب الثلاثيني، بأن هؤلاء يطلبون بدلاً مادياً (200 ألف ليرة)، عن خدمة الحقن، بمعزل عن أعباء المستشفى. ومعلوم أن جلسة علاجية واحدة، تمتدّ لنصف نهار فقط، تصل كلفتها إلى 25 مليون ليرة، عدا كلفة الأدوية (6 ملايين ليرة)، وخدمات المستشفى، والفحوص التي تُجرى قبيل تلقي العلاج لمعرفة تطور حالة المريض.

300 اتصال يومياً
يُعيد هاني نصار، رئيس «جمعية بربارة نصار لدعم مرضى السرطان»، ندرة الدواء إلى الكميات الضئيلة التي تصل إلى لبنان، والتي تستغرق إجراءاتها وقتاً طويلاً (أكثر من شهرين ونصف الشهر)، إضافة إلى عشرين يوماً لإتمام المعاملات وتوزيع الأدوية. كل هذه الآلية لا ينتج عنها سوى بضع أدوية لا تكفي أعداد المرضى، كأن توزّع ستين علبة دواء على 200 مريض. تتلقى الجمعية يومياً ما يزيد عن 300 اتصال، لمرضى يحتاجون إلى الدواء المقطوع في الأسواق ولدى وزارة الصحة. إلى جانب سؤالهم الدائم عن كيفية إيجاد الدواء الأرخص ثمناً، وعن المسار العلاجي في حال معرفتهم بإصابة ذويهم بالسرطان. يلفت نصار إلى أنّ هناك الآلاف من هؤلاء المرضى، اضطروا إلى إيقاف علاجهم بسبب انقطاع الدواء، وتدهورت حالتهم الصحية، إضافة إلى مرضى آخرين انقطعت أدويتهم التي عليهم تناولها بعد انتهائهم من رحلة العلاج، كالمصابات بسرطان الثدي على سبيل المثال، واللاتي توصف لهنّ أدوية تمتدّ لمدة خمس سنوات بعد العلاج، كي لا يعاود المرض ظهوره مرة أخرى.