«نحن في قلب التغيّر المناخي، موجات البرد القارس والجليد انتهت، لبنان جزء من هذا الكوكب الذي ترتفع حرارته، والأنظمة المناخية في العالم مرتبطة ببعضها، فلو انخفض الضغط فوق المحيط الأطلسي أو ارتفع ستصل إلينا الارتدادات»، هكذا يبدأ الدكتور طارق سلهب، رئيس دائرة المناخ في مصلحة الأرصاد الجوية، كلامه عن نصيب لبنان من التغيّر المناخي. موقع لبنان الجغرافي لا يختلف عن السّياسي، هو موجود «على الحدّ، يحيط به عمالقة الضغط الجوي من كلّ الجهات، يضغطون على مناخه ويجعلونه متقلّباً ضمن أربعة فصول، مع خط رياح غربية يكفل له موسم الأمطار، وإذا ضُرب هذا الخط ابتعدت الأمطار عنه».
الخط الانحداري لتدني كمية المتساقطات في لبنان


الخط التصاعدي لارتفاع درجات الحرارة الدنيا في لبنان


المناخ يتغيّر
ترسم حركة الضغوط الجوية أشكال المناطق وطبيعتها، من الصحراوية المانعة لتقدّم الأمطار، إلى المعتدلة ذات الفصول المتنوّعة، وصولاً إلى الرطبة ذات الأمطار الدائمة. ولا يتأثر الضغط الجوي بشيء كتأثره بالحرارة وتغيّرها، فأيّ تبدل، ولو طفيف، بالحرارة سيؤدي إلى صراعات بين عمالقة الضغط الجوي، فتبعد الأمطار من أقاليم إلى أخرى، أو تجرّ الأعاصير، أو تقصّر من عمر فصول وتطيل في عمر أخرى.
ويمكن القول أنّنا اليوم نشهد هذه التغيّرات مع «الاحترار العالمي»، المناخ يصبح أكثر تطرّفاً صيفاً وشتاءً، والظواهر المناخية التي يشهدها العالم من تطرّف درجات الحرارة، وشدة العواصف، والجفاف ليست بعيدة عن بلادنا. أنظمة الضغط الجوي تغيّرت نحو التطرّف، وتسبّبت بأمطار أكثر غزارة، ذات قطرات أكبر، وتساقط حبّات برد ضخمة، حتى قوة الأمطار المحلية في بعض البلدان تزداد، كحال لبنان.

والحرارة ترتفع
وما يثير القلق أيضاً، على المستوى الزراعي هذه المرّة، هو عدد الأيام الماطرة وشدّتها، إذ يشير سلهب إلى أنّ «هطول الأمطار الثقيلة والغزيرة في وقت قصير يرفع معدّلات المتساقطات نعم، ولكنه لا يفيد الأرض والتربة، بل يتسبّب بالانجرافات والسّيول التي تتوجه صوب البحر من دون فائدة». الأمر يؤثر سلباً على إنتاج المحاصيل الزراعية، فالنبات لم يعتد بعد هذه التقلبات المتطرّفة، التي تتسبّب ببعض الأمراض للمزروعات.
الأمطار ليست المعيار لمعاينة التغيّر المناخي وإنما مراقبة تغيّر الحرارة


ولكن، يصرّ سلهب على فكرة مفادها أنّ «الأمطار ليست المعيار لمعاينة التغيّر المناخي، وهي في كلّ الأحوال تتناقص حتى لو مرّت سنوات مطيرة». المعيار الحقيقي يكمن في «مراقبة تغيّر الحرارة»، التي تزداد تطرّفاً وارتفاعاً في السّنوات الأخيرة. والدليل الملموس على التغيّر المناخي في لبنان هي «درجة الحرارة الدنيا»، وتمثل أقل درجة حرارة يمكن أن يصل إليها الطقس خلال فصل الشتاء، والتي ارتفع معدّلها خلال السّتين سنة الماضية من 4 درجات مئوية إلى ما يقرب من الـ6 درجات، وسجّلت أرقاماً قياسية مقلقة، مثلاً عام 2010 لم تنخفض درجة الحرارة شتاءً عن 10 درجات.

والثلوج تنحسر
هذا الارتفاع في درجات الحرارة له انعكاسات سلبية على تكوّن الثلج والجليد على الأرض، بعدما لم نعد نسجّل درجات حرارة متدنّية إلا على المرتفعات العالية، فوق الألفي متر، فارتفع خط الثلج في لبنان إلى أعلى من 1500 متر، بعدما استقرّ لسنوات طويلة على الـ1000 متر. كما أنّ خطّ الثلج الدائم يرتفع من 2500 متر وصولاً إلى 3000 متر، وفي بلادنا لا توجد أراضٍ كثيرة على هذه الارتفاعات. «هذا لا يبشّر بالخير على مستوى مخزون المياه الجوفية، فمساحة الأراضي الموجودة على هذه الارتفاعات وأعلى هي أقلّ بكثير من غيرها» بحسب سلهب، وعدم تكوّن الثلوج والجليد يعني انخفاض تغذية المياه الجوفية بالماء لأنّ الأراضي اللبنانية تمتصّ المياه ببطء، بالتالي من المستبعد أن تقدر على مجاراة غزارة الأمطار، بينما ذوبان الثلوج البطيء يساهم في وصول كميات أكبر من الماء إلى الآبار الجوفية.