تبلغ نسبة مشاركة لبنان من انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً 0.07%، ولو قمنا بإقفال كلّ المصانع على الأراضي اللبنانية مع إيقاف إنتاج كلّ أنواع الطاقة فلن يتغيّر حال الكرة الأرضية أبداً. لسنا مسؤولين إذاً عن ظاهرة التغيّر المناخي. ولكن لا يتمّ التفكير بهذه الطريقة عند النظر إلى «تغيّر المناخ»، فهو لن يصيب البلاد بحسب نسب مشاركتها في الانبعاثات الملوّثة، بل سيكون وبالاً على الكوكب كلّه، الذي ارتفعت حرارته أكثر من 1.5 درجة مئوية منذ فجر الثورة الصناعية إلى اليوم. وبالتالي، علينا جميعاً التحرّك للوصول إلى بيئة نظيفة والتخفيف من أثر التدهور المناخي الكارثي المسمى تلطيفاً بـ»التغيّر»، بينما الاسم الصحيح له هو «أزمة المناخ». اسم تبنّته دول، وغيّرت أسماء وزاراتها من «وزارة البيئة» إلى «وزارة التغيّر المناخي»، وأضافت إلى موظفيها الحكوميين إداريين مسؤولين عن متابعة هذه الملفات.
القمة 27: حلقة في سلسلة
أما في لبنان، ورغم وجود اهتمام بالقضية، إلا أنّ الدولة لم تتبنّ التغيّر المناخي وزارياً في ملاكاتها، بل تجري الاستفادة من العاملين فيها بصفة «مشاريع»، بحسب ما يقول مدير مشروع تغيّر المناخ في وزارة البيئة، فاهاكان كابكيان، والذي يرافق الوفد اللبناني إلى قمة COP-27 في شرم الشيخ.
وتأتي هذه القمة حلقة في سلسلة بدأ العمل عليها عبر منظمة الأمم المتحدة، التي وضعت «الاتفاقية الإطارية المعنية بالتغيّر المناخي» UNFCC، وأسّست بدورها لـ»المعاهدة البيئية الدولية» للحدّ من «أثر التدخل الإنساني على الأنظمة المناخية»، عبر الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للكوكب، ووقّعت هذه المعاهدة من 154 دولة في «قمة الأرض» عام 1992. ومن بعدها بدأت اجتماعات «الدول الموقّعة» على المعاهدة سنوياً، فيما عرف بـ COP منذ عام 1995. أبرز هذه الاجتماعات كان في كيوتو اليابانية، حيث وضعت لأول مرّة «أهداف بيئية» تنصّ على «تحديد كميّة الانبعاثات».

التزامات لبنان
وفي سنته الـ 21، أتى مؤتمر باريس 2015، أو COP 21، الذي وقّعت عليه 195 دولة، واستبدل كيوتو، ووضع قيوداً صارمةً لـ»الإبقاء على الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين». بدأت الدول من بعده العمل على «المساهمات المحدّدة وطنياً» أو NDC للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، فتعهد لبنان بخفض انبعاثاته بنسبة تراوح بين 15% إلى 20% في حال عمل دون مساعدات. أمّا إذا قدّمت المساعدات والهبات فيتعهد بالتخفيض لحدود 31%.
وفي عام 2020 وضع لبنان تعهدات جديدة، وتحتوي أرقاماً، لا نسباً فقط، تقضي بخفض الانبعاثات بقيمة 7 آلاف جيغا غرام ثاني أوكسيد الكربون، أي 7 مليون طن بحلول عام 2030. ولتحقيق هذه الأهداف، «وضعت الدولة نصب عينيها تحويل إنتاج الكهرباء من الفيول الثقيل نحو الغاز الطبيعي» وفق فاهاكان كابكيان، مدير مشروع تغيّر المناخ في وزارة البيئة. فـ»هذا التحوّل يتيح للبنان تحقيق 80% من هدفه المنشود»، ويشير إلى «أنّ الدولة أبقت القطاع الصناعي الخاص خارج الالتزامات، ولم تفرض عليه شيئاً، رغم مساهمته في انبعاثات على مستوى استهلاك الطاقة وإنتاج النفايات».
ويضيف كابكيان إنّ «وزارة الطاقة تدخلت وطلبت إدراج التزام غير مشروط بتوليد 18% من الكهرباء عبر مصادر طاقة متجدّدة»، ولكن لم يتم تحقيق هذا الهدف، بل على العكس من ذلك، فمزارع الطاقة الشمسية الخاصة بمؤسسة كهرباء لبنان لا تعمل اليوم أبداً بسبب خروج المعامل الحرارية عن الخدمة، و»هناك مولدات الأحياء التي رفعت من الملوثات».

والمطبات اللبنانية
إلا أنّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان «أدخلت الصناعيين مرغمين» مجال الترشيد في استهلاك الطاقة، والتحوّل نحو الطاقة المتجدّدة لتشغيل مصانعهم والتخفيف من مصاريف شراء المحروقات، وكذلك يعمل المزارعون اليوم على التحوّل نفسه، ولا سيّما بعد انهيار قيمة العملة المحليّة وتسعير الوقود بشكل كامل بالعملة الأجنبية.
تعهد لبنان بتحويل إنتاج الكهرباء من الفيول الثقيل نحو الغاز الطبيعي


إضافةً إلى ما سبق، لم تعطِ الدولة أهميّة لقطاع النقل المساهم إلى حدّ كبير في إنتاج غازات الدفيئة، سوى في موازنة عام 2018 التي وضعت إعفاءات على السيارات الهجينة والكهربائية، من دون أن يعني ذلك إعادة تشغيل قطاع النقل العام بشكل فعّال. كما أنّ التطبيق على أرض الواقع كان مغايراً، فالناس لم تستفد، وأسعار هذه الآليات لا تزال بعيدة عن متناول أيدي أغلبية المقيمين في لبنان، إذ لا تقل عن 30 ألف دولار للسيارة العائلية، بالإضافة إلى وضع الكهرباء غير المطمئن أبداً لمن يريد اقتناء وسيلة نقل كهذه.
«لا إطار للمحاسبة في حال عدم الالتزام» وفق كابكيان، الذي يضيف «لا أحد يراقب، وكلّ دولة تقوم بوضع تقاريرها بشكل ذاتي، وترفع هذه التقارير كلّ سنتين إلى لجان المؤتمرات التالية. ولكن هناك دراسات توضع قد تقرّ في مؤتمر عام 2024 ستضع إطاراً واضحاً للمحاسبة، و»هناك كلام حول إمكانية مشاركة لبنان في هذا النظام».

نحو المؤتمر
يذهب لبنان إلى المؤتمر بأهداف بيئية طموحة سيعمل على تحقيقها خلال الأعوام القادمة حتى سنة 2030، يُؤمل منها أن تضعه على خريطة الدول المساهمة في المحافظة على «صحة الكوكب»، ما يستتبع بالتالي جذب استثمارات وأموال صوب القطاعات المشاركة، ولا سيّما الطاقة والزراعة والمياه، بالإضافة إلى تطوير القطاع العام، الذي يرى فيه كابكيان «تطوراً»، إلا أنّه لا ينعكس على مسار الدولة ككل، التي يذكر أنها لم تتبنّ بعد التغيّر المناخي وزارياً في ملاكاتها، بينما انتشرت «الأقسام المعنيّة بالتغيّر المناخي في معظم وزارات الدول».