في مثل هذه الفترة من السنة يتحضّر الناس عادة وخاصة في المناطق الجبليّة للتموّن وتخزين ما أمكن من المنتجات الغذائية تحسّباً لفصل الشتاء. لكنّ "النمليات"، أو خزانات المونة لهذا العام أصبحت ذكرى غابرة عما كانت عليه في السابق، حيث بات التموّن "على القد، وإذا كانت الأحوال ميسّرة نتموّن كحد أقصى لمدة شهر" بحسب مجموعة من السيدات كنّ يتبضّعن في السوبرماركت. تشير إحداهن إلى أنه "منطقياً، في مثل هذه الظروف يصبح التموّن ضرورياً في ظل ارتفاع الأسعار المرشح للتزايد أكثر، لكنّ الإمكانات شبه معدومة، خاصة أن باقي المصاريف باتت تستنزفنا". لذا تجد سيدة أخرى في الحديث عن التموّن "ترفاً، همّنا الأساسي هو كيفية تأمين غذاء اليوم التالي. مين قادر يفكر لأسابيع أو أشهر لقدام؟"
تكشف ميرفت سركيس، صاحبة متجر Convivio الذي يعرض منتجات غذائية ومونة، أن "الأسعار تضاعفت مرتين وأكثر مقارنةً بالعام الماضي. أما قياساً بمرحلة ما قبل الأزمة فالأسعار زادت بما لا يقل عن 10 أضعاف".
واقع أثّر في سلوكيات الزبائن وعاداتهم الشرائية، وخصوصاً المقيمين منهم الذين باتوا بأغلبهم "يشترون قدر حاجتهم في أول أسبوع من الشهر ليغيبوا من بعدها طوال الأسابيع الثلاثة الأخرى المتبقية. الناس يفتقدون إلى السيولة التي تسمح لهم بالتبضع بشكل يكفي لمدة زمنية طويلة" يقول عصام بو راشد، مدير شركة j.Grove المتخصّصة في صناعة المونة الطبيعية.
غالبية الشركات الناشطة أصبحت تركّز أعمالها على التصدير


في المقابل، نشّط المغتربون قطاع المونة خلال فصل الصيف "بشكل كثيف لم نشهده من قبل وحتى منذ ما قبل بداية الأزمة. وأغلب زبائني اشتروا مونة تكفيهم لستة أشهر" تقول سركيس، متحدّثة عن قطاع يعاني، "فغالبية الشركات الناشطة في هذا المجال أصبحت تركز أعمالها على التصدير، الذي لولاه لكانت العديد من المؤسسات قد أفلست".
شراء المغتربين بكميات كبيرة لمسه أيضاً بو راشد "حيث اشترى العديد من المغتربين المونة بكميات كبيرة تكفيهم حتى سنة، وهو ما يؤشر أيضاً ربما إلى صعوبة أن يزور الكثيرون منهم لبنان خلال فصل الشتاء ربما تخوّفاً من تدهور الأوضاع أكثر". ويشرح أن "من عوامل إقبال المغتربين على الشراء تراجع المبيعات أونلاين، حيث إن الكثير من المواقع أُغلقت، إضافة إلى كلفة الشحن التي ارتفعت بشكل كبير".
أثر الأزمة انعكس أيضاً على كلفة إنتاج المونة وتحضيرها، وهو ما يهدّد العاملين في المجال وخاصة منهم النساء اللواتي وجدن في السنوات الماضية في تحضير المونة فرصة لتأمين مداخيل إضافية وتحقيق نوع من الاستقلال الذاتي، نظراً إلى صعوبة توفير السيولة النقدية اللازمة لشراء مستلزمات الإنتاج. وفي هذا الإطار يوضح بو راشد "أن الشركة وتفادياً لهكذا سيناريو وحرصاً منها على ديمومة عمل الأشخاص الذين نتعامل معهم لتحضير المونة عملت على شراء البضاعة التي يحتاجون إليها، وبالتالي لا يبقى عليهم سوى التصنيع. علماً أننا نحرص على أن ندفع لهم فوراً عند التسليم".