قبل أكثر من شهر، أثارت «الأخبار» قضية خشية القرى المجاورة لعرسال من التلوّث، بسبب تفريغ مياه الصرف الصحي لمخيمات النازحين السوريين، في برك ترابية تقع في مجرى السيل لبلدات العين والفاكهة وراس بعلبك، ما يهدّد بوصولها إليها. على إثرها، كلّف المحافظ بشير خضر مصلحة الصحة في المحافظة بإجراء كشف عاجل على هذه البرك، للتأكد من مطابقتها للشروط الصحية والبيئية. وبنتيجة الكشف الميداني تبيّن «وجود 4 حفر مخصّصة لهذه الغاية، وجميعها غير مطابقة للمواصفات، ما يهدّد مياه الشفة، وأنّ حفرتين منها تقعان على مجرى السيل، ما يهدّد باختلاطهما بنبعَيْ بلدتي العين والفاكهة عند انجراف مياه الأمطار».
الكارثة وشيكة
مضى أكثر من أربعة أسابيع على نيّة المحافظ اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتسبّبين بهذه الكارثة، لكن حتى اليوم لا تزال الصهاريج تفرغ حمولاتها من مياه الصرف الصحي، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة في عرسال لـ«الأخبار». وبما أن فصل الأمطار بدأ، فإن الخشية باتت أكبر من أن تكون مخاطر التلوّث أسرع وأكثر انتشاراً، بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» وسيم ضاهر، المدير العام لمؤسسة مياه الجنوب وبالوكالة مؤسسة مياه البقاع، إذ يؤكد ضاهر أنّ البرك الأربع «لا تزال تُعتمد، وخلافاً للمعايير من قبل المنظمات الدولية، لتفريغ الصرف الصحي، وهذا الأمر يُعدّ كارثة بكلّ ما للكلمة من معنى». وبما أنّ لا صلاحيات للمصلحة في هذا الإطار «سنتوجه بكتب خطية إلى سائر الوزارات المعنية لوقف تلك الكارثة التي ستنشر التلوّث في المنطقة بأكملها».
كما يشكو أهالي عرسال من عدم اهتمام الدولة بشؤونهم، فيؤكد عدد منهم أنّ وزير الصحة العامة فراس أبيض يزور عرسال دورياً و«نحن نناشده النظر في معاناتنا وتوفير المياه المكرَّرة لنا كلبنانيين أسوة بالنازحين السوريين، خصوصاً أنّه أشرف على تشغيل محطة التكرير الخاصة بالسوريين، وسؤالنا لماذا التأكيد على تشغيل محطه تكرير مياه للشفة دون غيرها؟ وهل على العراسلة أن يشربوا مياهاً غير مكرّرة تهدّد صحة أبنائهم؟!».

محطة التكرير في إيعات
ليس بعيداً عن عرسال، ثمّة محطة تكرير للصرف الصحي في بلدة إيعات، متوقفة عن العمل منذ أكثر من سنة. بحسب حسين عبد الساتر، رئيس بلدية إيعات، المحطة تحتاج إلى تصليحات ولا يمكن أن يبدأ تشغيلها قبل عام، مستنداً في رأيه إلى أنّ «معدّات المحطة معطّلة نتيجة الإهمال الذي أصابها من المشغّلين، ومن عدم تنفيذ أعمال الصيانة الدورية»، كاشفاً أنها تحتاج «إلى ما لا يقلّ عن 23 مليون دولار لتحديثها، وتجميع المياه وإعادة تشغيلها، وقد موّل الاتحاد الأوروبي تشغيل سائر محطات تكرير الصرف الصحي في لبنان ومحطة إيعات من ضمنها».
وعود بعودة محطة إيعات إلى العمل مطلع العام المقبل بدعم من الاتحاد الأوروبي


الجدير ذكره، أنّه ومنذ أربع سنوات، أوكل إلى مؤسسة مياه البقاع تشغيل محطة إيعات، إلا أنّها لم تشغلها لعدم توفر القدرة على تشغيلها. في المقابل، يؤكد المدير العام لمؤسسة مياه البقاع بالوكالة وسيم ضاهر، أن «الاتحاد الأوروبي سيبدأ تشغيل المحطة مطلع العام المقبل». وفي هذا الإطار، تحذّر مصادر مطلعة من استمرار توقف المحطة عن العمل لأن «هذا قد يؤدي إلى تراكم كميات الوحول فيها»، مقترحة «إقامة برك وطمر الوحول فيها، بإضافة الكلس أو الكلور ومن ثم طمرها، والاتحاد الأوروبي قادر على إنجاز المهمة وتشغيلها ما لم تكن هناك مشاكل أخرى!». حلّ يرفضه عبد الساتر بقوله: «منذ أيام فوجئنا بنيّة مؤسسة المياه إقامة برك لنقل الوحول إليها، ما دفعنا للاعتراض لأن ما يقومون به قد يتحوّل إلى بؤرة للكوليرا، وكلّ ما طالبنا به هو اعتماد طرق أخرى للتخلص من الوحول، فاقترحوا اعتماد الإيدروكلورين، وهو ما رفضناه أيضاً لأنه يتبخّر بسرعة، وما زلنا بانتظار وسيلة يعتمدونها للتنظيف والعمل».

تلوّث المياه الجوفية
إلى محطة التكرير، تبرز مشكلة تلوّث المياه الجوفية في إيعات، إذ يشير عبد الساتر إلى أن مشروع «غوثام»، أو إدارة وحوكمة المياه الجوفية في بلدة إيعات الذي ينفذه الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع بلدية إيعات منذ عام 2018 كشف أنّ الينابيع في الجهة الشرقية والشمالية لمحطة إيعات نظيفة وصالحة للشرب، في حين أن سائر المياه والآبار في المنطقة الجنوبية والغربية أسفل المحطة غير صالحة للاستعمال المنزلي والزراعي. إلا أنّ عبد الساتر يطمئن في المقابل، إلى أنّ المزارعين في سهل إيعات توقفوا عن ريّ مزروعاتهم بمياه الصرف الصحي بسبب عدم تشغيل محطة التكرير، وأنّه منذ انتشار الكوليرا «نفّذت جولة بمؤازرة جهاز أمن الدولة على سهول وقرى اتحاد بلديات بعلبك ولم نجد أيّ مخالفات لجهة ريّ المزروعات من مياه الصرف الصحي، لكنّ اليونيسف وخلال الفترة السابقة كانت ترسل صهريجين للصرف الصحي ليفرغا حمولتهما من مخيمات النازحين في بعلبك في مجرى المحطة، وأمام اعتراضنا وادّعائنا على سائقي الصهريجين، عمدت إلى إنشاء محطة تكرير صغيرة للصرف الصحي خاصة بالنازحين السوريين داخل حرم محطة إيعات، بدأت عملها منذ شهرين». في المقابل، أكّدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» استمرار عدد من المزارعين في الريّ من أقنية وشبكات الصرف الصحي الممتدة في سهل إيعات حتى دير الأحمر وبلدة الكنيسة.
تجدر الإشارة إلى أن محطة تكرير الصرف الصحي في تمنين التحتا، والتي تُعتبر المدماك الأساسي للتخلص من كلّ ذلك التلوث في الحوض الأعلى، توقفت الأشغال فيها بشكل شبه تام بعد تخلّف الدولة عن دفع المبالغ المترتّبة للصناديق المموّلة، كما سبق لـ«الأخبار» أن نشرت ذلك مطلع الشهر الفائت.