مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة، تكاثرت الكلاب في مختلف المدن والقرى اللبنانية، ولا سيما في الساحات العامة، وعلى الطرقات وقرب مكبّات النفايات، وصارت تقترب أكثر من البيوت بحثاً عن الطعام وحتى الدفء. غالبيتها كلاب منزلية أليفة على ما يؤكد المتابعون، والسبب تخلي الكثيرين عن كلابهم لعدم القدرة على تأمين حاجاتها من مأكل ولقاحات. ومن بين الأسباب التي أدّت إلى تواجدها في الأسواق، واقترابها من البيوت، هو توقف الناس عن إطعامها مثلما كانوا يفعلون قبل الأزمة، إذ كانوا يهتمون بها ويضعون لها الطعام في أماكن محدّدة. تكاثر الكلاب بهذا الشكل، وتعدّد حالات العضّ التي يتعرّض لها المواطنون في مختلف المناطق، كل ذلك أثار خشية الكثيرين الذين طالبوا بحلول، فيما اعتمد البعض الحلّ «الأسهل» وهو التخلّص منها بقتلها!
ارتفاع مخيف في الأعداد
تؤكد الناشطة في حماية الحيوانات غنى نحفاوي أن عدد الكلاب الشاردة «قفز من نحو 20 ألف كلب عام 2019 إلى نحو 50 ألفاً هذا العام». رقم مخيف، تقول نحفاوي محذّرة «قريباً سنراها بين الإجرين».
لكنّ الأرض لا تنبت كلاباً، ولا السماء تمطر قططاً، «السبب الحقيقي خلف تكاثرهم، هو عدم تطبيق قانون الرفق بالحيوان الذي يضع أصولاً للبيع وللاقتناء ولتربية الحيوانات، ويحدد المسؤوليات الفردية ومسؤوليات البلديات والوزارات المعنية في تنظيم هذا الملف».
ترى نحفاوي أنّ «الحدّ من تكاثر الكلاب لا يكون باعتماد النفس الإجرامي الذي لا يحلّ المشكلة بأي حال، إنما بتطبيق القانون، لأنّه لو طُبّق لما وصلنا إلى هذا الواقع المأساوي اليوم». وتوضح أنّ «البلديات ووزارة الداخلية لم تلتزما بالقانون الذي يفرض على البلديات تأمين المأوى، وعلى الداخلية مراقبة محالّ بيع الحيوانات ومعاقبة المخالفين، ولذلك نسمع يومياً عن انتهاكات كبيرة بحق الكائنات البريئة من تعذيب وضرب وقتل، سواء عبر التسميم أو إطلاق النار عليها».
وتشرح نحفاوي ما هو المطلوب من مختلف الأطراف، وفق القانون، لمعالجة واقع الكلاب الشاردة «تؤمن كلّ بلدية وقضاء أرضاً من أراضي المشاع لإيواء هذه الكلاب، بعد جمعها وخصيها للحدّ من تكاثرها، وتلقيحها، بالتعاون مع وزارة الزراعة وجمعيات إنقاذ الحيوانات المرخّصة، بالإضافة إلى إغلاق حنفيات محالّ بيع الحيوانات غير المرخّصة التي تفاقم المشكلة، وتغريم كلّ من يتخلى عن الحيوان الذي كان يؤويه»، ولمعرفة صاحب الكلب «يمكن وضع شريحة له عند شرائه للحدّ من فوضى الشراء».

النقابة تتطوّع للتلقيح
وقد أبدت نقابة الأطباء البيطريين في لبنان استعدادها للمساعدة في حلّ هذه المشكلة، من خلال «إجراء عمليات تعقيم للإناث وخصي للذكور، بسعر الكلفة» على ما يؤكد النقيب إيهاب شعبان في حديث لـ«الأخبار». على أن هذا الأمر يجب أن يتمّ «بالتنسيق مع البلديات كافة ولا سيما تلك التي تكثر فيها الكلاب الشاردة، وهذا يكون في أن تقوم كلّ بلدية بتأمين أرض للتأكد من أن كلّ الكلاب تلقّت اللقاح وتُجرى العمليات في الوقت نفسه، ودائماً بالتعاون مع الجميعات التي تتكفل بإطعامها والاهتمام بها».
ويدعو شعبان إلى «عدم التصرّف بطريقة غير حضارية وغير سليمة وغير مجدية مع هذه الحيوانات، فهي غير مؤذية وتهاجم فقط من يعتدي عليها أو من يقترب منها من دون معرفة، كما أنها تشكل خط الدفاع الأول عن الإنسان. فالكلاب هي أوّل من يتعرّض للهجوم». أما بالنسبة إلى عضّة الكلاب المريضة بالسعار، المعروف بالكلَب، «فيمكن الاحتماء منها من خلال تلقيح الكلاب مسبقاً».
قفز عدد الكلاب الشاردة من 20 ألف كلب عام 2019 إلى نحو 50 ألفاً هذا العام


ولكن، في ظلّ عدم وجود معلومات عن الكلاب الملقّحة، «يتوجب على من تعرض لعضّة اتخاذ الإجراءات الوقائية، حتى لو لم يكن الكلب مصاباً بالسعار، بما أنّه لا يمكن الجزم بأنّ كلّ الكلاب الشاردة تحمل مرض الكَلَب المعدي».
وفي هذا الإطار، يلفت وزير الزراعة عباس الحاج الحسن إلى أن «الجهات المانحة أمّنت للبنان لقاحات لتطعيم الكلاب الشاردة من السعار، وستُوزّع في المناطق إما بالأكل أو بالإبر». وأشار إلى «تشكيل لجنة بالتعاون مع نقابة البيطريين لمعالجة هذا الملف وتناول الطرق التي يمكن أن تساعد فيها هذه الجهات في حل هذه المشكلة».

بعلبك وطرابلس تبادران
وكانت بلدية بعلبك قد بادرت إلى تقديم قطعة أرض لمعالجة المشكلة، بعدما شهدت المدينة تكاثر أعداد الكلاب في شوارعها وارتفعت فيها الدعوات لاعتماد القتل الرحيم. غير أن جميعات حقوق الحيوان استنفرت ضد هذا الإجراء اللاإنساني واللاقانوني «والذي لن يحلّ المشكلة إلا وقتياً». فكان الحلّ باتفاق البلدية ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر على تأمين مأوى لها بالتعاون مع جمعية تُعنى بالرفق بالحيوانات، «وبالفعل قدّمنا قطعة أرض على أطراف المدينة بانتظار التمويل لتجهيز المأوى وسقفه وتأمين الأكل والمياه للحيوانات بعد تلقيحها وخصيها للحدّ من تكاثرها» يقول رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق، لافتاً إلى أنه «تم الاتفاق على أن يعمد مندوب من البلدية لجمع فضلات الطعام من المطاعم لتنقل إلى المأوى».
وفي طرابلس أيضاً الأمور على حالها، رغم أن البلدية قدّمت بدورها أرضاً محايدة بعيداً عن السكن، «بعدما لم يعد مقبولاً حلّ مشكلة تكاثر الحيوانات الشاردة بالطرق التقليدية، أي السم والطلق الناري، لكن منذ 3 سنوات تأتي الجمعيات وتذهب من دون المضي في تأمين المأوى رغم ازدياد الأعداد ولا سيما في السنتين الأخيرتين» يقول رياض يمق، رئيس بلدية طرابلس السابق مؤكداً أن البلدية غير قادرة على تأمين التمويل. وفي حين يطمئن يمق إلى أنّ غالبية الكلاب منزلية متواجدة بين الناس، ويجري تأمين الطعام لها «لكن اختلاط بعضها مع كلاب برّية قد يشكل خطراً».