بين تجمّعات العاقبية، تنتشر عمالة الأطفال في الورش الصناعية والمحال والمتاجر. بعضهم لم يبلغ الخمس سنوات، يُستعان بهم في جمع النفايات وتوصيل الأغراض. ومنهم من يُشغّل في شبكات التسوّل. من حولهم، تنتشر أيضاً فروع للجمعيات العاملة في إغاثة النازحين ودعمهم، كما تنتشر عيادات عدة لأطباء بمختلف الاختصاصات متعاقدة مع المفوضية لاستقبال النازحين المسجّلين لديها بأسعار مخفضة. في العيادات النسائية، لم تتأثر حركة المريضات بقرار المفوضية تخفيض المساعدات. إذ إنها في الأساس محدودة «لارتباطها بمستوى الوعي تجاه الصحة الإنجابية» بحسب إحدى الطبيبات المتعاقدات مع المفوضية لمعاينة النازحات وتوليدهنّ. «نسبة الوعي متدنّية بين النازحات. غالبية الحوامل لا يلتزمن بمواعيد المعاينات الشهرية. تحضر السيدة في بداية حملها لتتأكد من جنس المولود، ثم تغيب وتظهر مجدداً عند موعد الولادة».
هذه الظواهر ليست مرتبطة بالقدرة المادية، بل «بعشوائية مقاربة مسألة الحمل والإنجاب وتربية الأطفال». تستعرض الطبيبة عدداً كبيراً من اللواتي يأتين حوامل بعد أشهر قليلة على إنجابهن، منهن سيدة في الخامسة والأربعين من العمر لديها عشرة أولاد. «لا يشعرن بالذنب. يبرّرن بـ»هيك صارت» أو «زوجي يريدني بأن أنجب الأطفال وإلا تزوّج امرأة أخرى». وهناك من تبرّر بأنها «قاعدة بالبيت ما عندي شي»».
أسوأ ما تواجهه الطبيبة، الأطفال الحوامل «بشكل شبه يومي، تُجلب إليّ فتيات لم يتجاوزن الـ 12 أو 13 عاماً من العمر. تطلب مني أمهاتهنّ أو حمواتهنّ أن أعطيهنّ مقوّيات ليحملن ولا يكون قد مرّ على زواج إحداهنّ أكثر من شهرين. أشرح لهن طويلاً عن عدم الحاجة إلى الأدوية وعن مخاطر الحمل في عمر مبكر. لكن من دون جدوى». في المقابل، تحدّثت الطبيبة عن فئة قليلة تهتم بالصحة الإنجابية. «منهن من يتناولن حبوب منع الحمل بالسرّ عن أزواجهنّ. وهناك من يلتزمن بحضور جلسات التوعية التي نجريها بالتعاون مع المنظمات الدولية»، مع الإشارة الى أن مسألة الإنجاب تتخذ حيّزاً رئيسياً ضمن مشاريع دعم النازحين. وفي هذا الإطار، نفذت الجمعية اللبنانية لصحة الأسرة «سلامة»، مشروع «الحدّ من وفيات وأمراض الأمهات المتعلقة بالصحة الإنجابية للنازحين السوريين والمجتمعات اللبنانية الحاضنة في البقاع» ما بين عامَي 2019 و2021. عيادتا الجمعية في الكرك وبيت شاما فتحتا أبوابهما لتعزيز الصحة الإنجابية طبياً وتوعوياً.
في حديث إلى «الأخبار»، لفتت القابلة القانونية في عيادة الكرك، ملاك الديراني، إلى أنّ «النازحات لم يكنّ سابقاً يستمعن أساساً إلى جلسات التوعية حول الصحة الإنجابية والجنسية. لكن على نحو تدريجي، تصاعد مستوى الوعي وبدأت المشاركات يتحدّثن عن تجاربهن ويلتزمن بأغلب الإرشادات». لكن الالتزام ليس حصراً بالسيدة، «قدراتهنّ المادية ونسبة استجابة أزواجهن تحدّد مستوى الالتزام». في مشاهداتها اليومية، واكبت الديراني «صبية في الثامنة عشرة من عمرها، تجرّ أربعة أطفال، فيما كثيرات يعانين من فقر دم مزمن ولا يعرفن كيفية التعامل مع أطفالهن». وهناك من رفضت تزويج بناتها في عمر مبكر، «لكن الرجل هو من قرّر في النهاية».