يبلغ عدد المتقاعدين من موظفي القطاع العام نحو 105 آلاف، يشكّل العسكريون النسبة الأكبر منهم، بينما يقارب عدد الأساتذة 24 ألفاً. توحّدهم المطالب، وتفرّقهم طرق الاحتجاج، إذ يتظاهر جزء من المتقاعدين العسكريين اليوم في ساحة رياض الصلح عند السّاعة 11 قبل الظهر، بالتزامن مع انعقاد الجلسة المشتركة للجان المجلس النيابي. المشاركون في تحرّك اليوم هم «حراك العسكريين المتقاعدين وحركة الإنقاذ الوطني»، أمّا الأهداف فهي: الاحتجاج على تردّي أوضاعهم المعيشية، وتذكير الدولة بمسؤولياتها تجاه هذه الفئة من الموظفين الذين وجدوا أنفسهم فجأة «من دون ظهر، بعدما أفنوا أغلى سنوات عمرهم في الخدمة العامة»، يقول عسكري متقاعد. غضبهم على الدّولة لا يمكن إخفاؤه، فهم وصلوا إلى «خريف العمر» من دون تغطية صحيّة حقيقيّة، في الوقت الذي تزداد فيه حاجتهم إلى الأدوية والاستشفاء، وبرواتب لا تكاد تكفي مصروف يوم واحد، وقدرة بدنية تتضاءل، ولا تسمح بالقيام بأعمال إضافية لسدّ العجز.
جرس الإنذار
يأمل رئيس «حركة الإنقاذ الوطني» العميد شامل روكز، المشارك في التظاهرة اليوم، «اعتبار التحرّكات جرس إنذار للحلحلة»، التي يراها في «لعب مجلس النواب لدوره وانتخاب رئيس للجمهورية أولاً، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ثانياً، تكون مهمّتها الأولى وضع خطة للتعافي الاقتصادي». وعن تحرّك اليوم، يؤكّد روكز «حمله مطالب العسكريين والموظفين في الخدمة، كما المتقاعدين والناس، فالأسعار كلّها مدولرة، وموظف القطاع العام يقبض الليرات»، ويشير إلى «المطالبة بحقوق للرّتباء من العسكريين، برتبة مؤهل ومؤهل أول، إذ يستحقون 5 صفائح بنزين شهرياً، ولا يحصلون عليها، وهم ممنوعون بحكم القانون من المطالبة والتظاهر على الأرض، وبالتالي على المتقاعدين حمل همّ رفاقهم في الخدمة». ويحمل روكز إلى تظاهرة اليوم «عذابات أهالي الشهداء من العسكريين في تحصيل حقوقهم من المصارف، وطلب المتقاعدين أن تشملهم المنح المدرسية».

تكلفة التظاهر
في المقابل، تنفي بقية شرائح المتقاعدين توجّهها للتظاهر اليوم. يقول رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة قدامى العسكريين العميد نقولا مزهر «لن نكلّف أحداً بالتنقل ودفع مبالغ كبيرة ثمناً للمحروقات، فيما التجاوب شبه منعدم لدى الحكومة». ويشير إلى «عدم إنتاجية الاجتماعات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يعد كثيراً، ولكن تهاوي سعر صرف الليرة يسبق تنفيذ الوعود». ويروي مزهر «أنّ الاتفاق في الاجتماع الأخير لميقاتي مع قادة الأجهزة الأمنية كان على صرف مساعدة للعسكريين المتقاعدين، ولكن لم نصل إلى موعد الجلسة المنتظرة والليرة تتهاوى»، وبالتالي يحسم مزهر بأنّ الحلّ ليس في الزيادات بالليرة، بل في «تثبيت سعر على منصة صيرفة لموظفي ومتقاعدي القطاع العام، وبهذه الحالة فقط، يعرف الموظف أنّ هناك مبلغاً من المال لن تتغيّر قيمته، ويسمح له بالعيش بكرامة».
تصل نسبة التغطية الصحيّة في المستشفيات العسكرية إلى 100%


الاستشفاء أساس
وعند سؤال العسكريين المتقاعدين، ومنهم مزهر، عن وضع الطبابة، يقولون «الله يطوّل بعمر قائد الجيش»، الذي تمكّن من «تأمين دعم خارجي بالعملة الأجنبية للطبابة العسكرية»، فبحسب مزهر «تصل نسبة التغطية الصحيّة في المستشفيات العسكرية إلى 100%، للعسكر وأهلهم والمتقاعدين منهم». فرحة الجيش بالتغطية الصحية تزيد عندما يقارنون وضعهم بزملائهم في القوى الأمنية، فـ«هناك، الكارثة كبيرة» يقول روكز.
يصف أمين سر رابطة المتقاعدين في التعليم الثانوي عزيز كرم الاستشفاء بـ«الهمّ القاتل، فهو أهمّ من المأكل والمشرب، وخاصة للمتقاعد المتقدّم في السنّ»، هذا الشخص وفقاً لكرم «يحتاج إلى الأدوية بالجملة، ولا يجدها حتى بالمفرّق، وإن توافرت، فأسعارها خيالية». ولحلّ هذه المشكلة، تقوم رابطة متقاعدي الثانوي بمبادرة ذاتية منها «التواصل مع بعض المستشفيات والصيدليات والمختبرات لعقد اتفاقيات، والحصول على حسومات بسيطة لا تتخطى الـ 20% من الفاتورة». يعيد كرم تحميل الدولة المسؤولية الكاملة عن استشفاء موظفيها ومتقاعديها، فـ«من غير المعقول أن يقوم المواطن مقام الدولة»، ويؤكّد ضرورة «دعم تعاونية الموظفين لتعود التغطية الصحية وتصل إلى نسبة 90% كما كانت سابقاً».

الأستاذ المتقاعد مظلوم
يؤكّد كرم التحضير لتحرّكات على الأرض، وينفي المشاركة في تحرّك اليوم، لكنّه يتوعّد بـ«خطة غير كلاسيكية، ستوضع بالتوافق مع روابط الموظفين والمجلس التنسيقي للمتقاعدين»، الذي تنضوي فيه كلّ من رابطة متقاعدي أساتذة الجامعة، الثانوي، الأساسي، المهني، والإدارة العامة، فـ«المعاشات تسرق يومياً مع تقلّب سعر الصرف، وما أقرّ من مضاعفة الراتب انتهى تماماً، إذ لا يزيد متوسط راتب أستاذ التعليم الثانوي المتقاعد عن 10 ملايين ليرة، أي حوالي 120 دولاراً على السّعر الحالي لمنصة صيرفة».
يصف عضو المجلس التنسيقي للمتقاعدين، غطاس مدوّر، بدلات الإنتاجية التي تدفع للموظفين بـ«البدعة»، مؤكّداً «أنّ المتقاعد شخص أنتج لأكثر من 40 سنة»، وبالتالي يجب تسمية هذه المبالغ بـ«زيادات على الراتب، ودفعها للمتقاعد كما الموظف على السّواء». ولا ينسى مدوّر التذكير بالظلم الذي لحق بهم كمتقاعدين من السلك التعليمي، إذ «لم تدفع لهم سلسلة الرّتب والرواتب بشكل صحيح، على إثر مخالفة وزير المالية آنذاك علي حسن خليل للقانون 46/2017، وإلغاء بعض الزيادات»، بالإضافة إلى «تعسّف المصارف في التعامل معهم، وتحويل أموال المساعدات المرضية إلى البطاقات بالليرة، من دون إمكانية لسحبها نقداً، ولا على منصة صيرفة، بل يجبرون على إنفاقها في المحال التجارية!».