تعدّ صلاة التراويح من أشهر شعائر شهر رمضان. يؤدّيها المسلمون السنّة طوال ليالي الشهر المبارك بعد صلاة العشاء. ورغم أنها ليست فريضة، غير أنها تلقى إقبالاً واسعاً من الناس يأخذ طابعاً اجتماعياً واحتفالياً نظراً إلى خصوصية شهر رمضان وروحيّته، يكاد لا يضاهيها في الإقبال سوى صلاة يوم الجمعة. فتمتلئ المساجد عن آخرها وتتوسع إلى الباحات الخارجية لأن الناس يستشعرون أهمية اغتنام فرصة العبادة. حيث ورد في الحديث النبوي: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه.وفي المدوّنات الحديثية والفقهية السنّية، فإن صلاة التراويح «سنّة مؤكدة، لم يتركها النبي أبداً». وفي تفصيل حول الصلاة يقول المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة إنها في الأصل صلاة قيام الليل، وتنطلق مشروعيتها من القرآن الكريم (وأقم الليل) كما يطلب الله من النبي محمد. وقد اختصت في شهر رمضان بتسمية صلاة التراويح، لأن المسلمين كانوا يطيلون القيام، ويرتاحون بعد كلّ أربع ركعات. هذه الاستراحة هي بالمعنى اللغوي ترويحة، أي الراحة بعد التعب.

قصة الصلاة
بحسب ما ورد في أغلب كتب السيرة المعتمدة، فإن النبيّ صلّى التراويح في أول ليلة من رمضان في المسجد وحده, رآه عدد من الصحابة فالتمّوا خلفه في اليوم الثاني. في اليوم الثالث، تداعى المسلمون والصحابة أكثر حتى ضاق المسجد بالمصلّين وصلّوا جميعهم خلف النبي. في اليوم الرابع، انتظر المسلمون النبي فلم يخرج. وصلّى التراويح في المنزل وحده. ولما سأله الصحابة عن ذلك أجاب: رأيت اجتماعكم وكثرتكم، خفت أن تفرض عليكم.
سنوات بعد هذه الحادثة، دخل الخليفة عمر بن الخطاب إلى المسجد، ووجد مجموعات متفرقة، كل مجموعة منفردة يؤمّها شخص، ما أثار التشويش. فجمع الناس إلى صلاة واحدة ولم يعترض أحد على ذلك. وعيّن أبّي بن كعب ليؤمّ الناس، لأن النبي كان يحب أن يسمع القرآن منه لجمال صوته وحسن قراءته.
كان المسلمون يرتاحون بعد كلّ أربع ركعات فسُمّيت هذه الاستراحة ترويحة


يقول الشيخ خليفة وهو إمام لمسجد الأوزاعي «إن حكمة عدم جمع الناس أيام النبي حتى لا تفرض صلاة التراويح على الناس، وحكمة جمعهم لئلّا تتفرّق المجموعات. والإسلام مبدأه قائم على الوحدة بكل شيء. والفرق بين السنّة والفريضة أن المسلم إذا ما فعل السنّة أثيب، وإذا لم يفعلها لم يعاقب بعكس الفريضة التي يثاب إن فعلها ويعاقب لتركها».

اختلاف المذاهب
هذه الصلاة مشروعة عند السنّة والشيعة وفي جميع المذاهب الإسلامية وفق الشيخ خليفة. لأنها في الأصل هي صلاة القيام. ولكن هي ليست واجبة، وترك الخيار لمن أراد ان يحييها. مع الإشارة إلى أن المذاهب تختلف بأسانيدها حتى عند المذاهب السنية. فما ثبت عند الإمام أبو حنيفة قد لا يثبت عند الإمام الشافعي. وإلّا لو كان الدليل واضحاً لمَ سيختلفون؟ وكذلك عند الشيعة مصادر يستقون منها الأدلّة تختلف عن بعض مصادر السنّة. لذلك في الفقه هناك اختلاف فقهي، وأرى الاختلاف حالة جيدة وسليمة وإلا لو كان الرأي واحداً لضاق الأمر على الناس.

مناسبة لختم القرآن
الشكل الكلاسيكي المتعارف عليه في المذاهب الفقهية أنها عشرون ركعة، وتصلّى مثنى مثنى كصلاة الصبح، وفي الختام ثلاث ركعات شفع ووتر. أتباع المذهب المالكي يصلّون 36 ركعة. في لبنان وسوريا ومصر، منهم من يصلّي عشرين ركعة، ومنهم من يصلّيها 8 ركعات. تقرأ الفاتحة وبعدها آيات من القرآن، علماً أن لا شيء محدّد أو ملزم. فالبعض قد يقرأ آية، والبعض الآخر يقرأ جزءاً من القرآن الكريم. وقد شاع في العقود الأخيرة أن تصبح صلاة التراويح مناسبة لختم القرآن الكريم بحيث يقرأ الإمام في كلّ ليلة خلال شهر رمضان جزءاً كاملاً.
وتختتم التراويح بركعتَي الشفع والوتر. ثمّة طريقتان لأدائهما، إما تصلى كصلاة المغرب ثلاث ركعات معاً، وإما ركعتي شفع وركعة وتر. علماً أن لا آيات مميزة فيهما، إذ يستطيع الإنسان أن يقرأ ما يشاء بعد سورة الفاتحة. ولكن ورد عن النبي أنه قرأ في ركعة الوتر سورة الأعلى أو سورة الفجر، فيما يكثر الناس من سورة الإخلاص لأنها جامعة للتوحيد وقصيرة في آن.