تتصدّر الإشكالات بين اللبنانيين والسوريين في الآونة الأخيرة الأخبار المحليّة. الاحتقان يزداد يوماً بعد يوم بين المجتمع اللبناني المضيف والمجتمع السوري النازح، اللذين يتقاسمان معاً لقمة العيش في بلد يكاد يفتقد أدنى مقوّمات العيش فيه. إنّما المستجدّ، والذي يدعو إلى القلق، هو أن يتحوّل موضوع ضبط عمل السوريّين في القرى والبلدات وتنظيمه، إلى فوضى وإشكالات بين اللبنانيّين أنفسهم كما حصل في بلدة نهر إبراهيم – قضاء جبيل قبل يومين.فقد عمّ الهرج والمرج، مساء الأحد الماضي، داخل محلّ للمواد الغذائية في سوق الخُضر في نهر إبراهيم. تزامن ذلك مع قيام عنصريْن من شرطة البلدية بجولة في السوق للتأكّد من تطبيق القرار الصادر عن البلدية بإقفال المحالّ التي يشغلها سوريون عند الساعة التاسعة من مساء كلّ يوم. هذه المرّة لم تكن الجولة عاديّة. المحلّ الذي يملكه محمد عمرو من بلدة المعيصرة (التي تقع في فتوح كسروان، والمجاورة لبلدة نهر إبراهيم) تحوّل إلى ساحة معركة. تلاسنٌ مع ولدَيْ محمد عمرو، الشاب يوسف (19 سنة) والفتى ساجد (14 سنة)، تطوّر إلى إشكال وقع بينهما وبين عدد من أبناء بلدة نهر ابراهيم، سرعان ما تحوّل إلى تدافع وإطلاق نار وضرب بآلات حادّة، ما أدى إلى إصابة الشابيْن المذكورين برضوض وجروح بعضها في الرأس.

رواية غير مكتملة
لم تعرف البلدتان الجارتان، باختلاف طوائف أبنائهما وانتماءاتهم السياسية، سوى التعايش ولم يسبق أن حصل أيّ خلاف بين هؤلاء الجيران. وفيما تتعدّد الروايات حول الإشكال، لا يزال الغموض يلفّه بانتظار نتائج التحقيقات. مقاطع الفيديوهات «المجتزأة» التي وثّقتها كاميرات المحل، والتي تنقل الصورة من دون الصوت، تظهر أنّ أحد الشبّان تعرّض لشاب كان ماراً أمام المحلّ، قبل أن يبدأ الإشكال داخل المحلّ مع يوسف وساجد.
الإشكال سلّط الضوء على معضلة أساسيّة تربط بين تنظيم عمل السوريين وتجوّلهم، والفوضى الأمنية التي يمكن أن تنتج عن الأمر. وتكمن الخطورة في جرّ الإشكال إلى منحى طائفيّ، وهو ما شدّد على رفضه كلّ من رئيس بلدية نهر إبراهيم ورئيس بلدية المعيصرة اللذين تواصلا معاً لحلّ الموضوع فوراً.
تقول رواية رئيس بلدية نهر إبراهيم، المحامي شربل أبي رعد، إن عنصرَي البلدية وأبناء البلدة الآخرين الذين دخلوا على خطّ الإشكال اعتقدوا أنّ الشابيْن يوسف وساجد من الجنسية السورية ولم يتعرّفوا إليهما. وأكّد أن «القرار الصادر عن البلدية يهدف إلى تنظيم عمل السوريين في البلدة منعاً للفوضى، وليس المقصود استهداف أحد، والإشكال مع أبناء بلدة المعيصرة حصل عن طريق الخطأ». وشكا أبي رعد من «أن عدد السوريين الذين يعملون في المحال التجارية في نهر إبراهيم كبير، معظمهم ليس في حوزته أي أوراق ثبوتية»، منبّهاً إلى «أنّ المشكلة هي أن هؤلاء السوريّين يتلطّون خلف أصحاب المحالّ اللبنانيّين».

إشعال فتنة؟
في المقابل، لم تستبعد رواية رئيس بلدية المعيصرة زهير عمرو «أن يكون المعتدون أشخاصاً مدسوسين لهم انتماءات سياسيّة معيّنة»، واصفاً الحادثة بـ«محاولة قتل». ووضع الملف في عهدة القضاء والأجهزة الأمنية، مطالباً بـ«الضرب بيد من حديد ومحاسبة المعتدين كي لا تتكرّر الحادثة».
يرجّح رئيس بلدية المعيصرة أن يكون المعتدون أشخاصاً مدسوسين


والد الشابين، وصاحب المحلّ الذي وقع فيه الإشكال محمد عمرو، أكد من جهته أن لا خلافات شخصية مع أحد من المعتدين، وأنه يلتزم بقرار الإقفال الصادر عن البلدية. إلّا أنّه استغرب عدم التعرف إلى ولديْه «ألا يعرفون ولدَيَّ ومحلي موجود في نهر إبراهيم منذ أكثر من ثماني سنوات؟ الشبان يعرفونني، ويأتون إلى محلّي لاحتساء القهوة!». وعند سؤاله مراراً وتكراراً عن سبب التهجّم على محله، يردّد «لا نعلم ما السبب». بدورها، استنكرت والدة الشابين التهجّم الذي حصل وإطلاق النار على قدم ابنها الذي نجا من الرصاصة بفضل الحذاء الصلب الذي ينتعله.

تسليم المتورّطين
لا شكّ في أن الموافقة على تسليم المتورّطين إلى الأجهزة الأمنية ساعدت في ضبط التوتّر بين البلدتين. وقد تمّ إخلاء سبيل عنصريْ شرطة البلدية اللّذين تبيّن أنهما لم يعتديا على الشابين، ما يتيح القول إنّ تداعيات الإشكال تجاوزت «مرحلة الخطر» حتى الساعة في انتظار توقيف المعتدين. غير أن الحلّ «حبّياً» قد لا ينجح دائماً، ويمكن أن تسير الأمور في اتّجاه معاكس في حال تكرار الحادثة في المنطقة نفسها أو في مناطق أخرى. لذا يُعدّ هذا الإشكال جرس إنذار لعدم توجيه بوصلة النزوح السوري إلى منحى أمنيّ أو سياسيّ أو طائفيّ، يفتح الباب أمام خلافات وانقسامات جديدة تأخذ اللبنانيين إلى ما لا تُحمد عقباه.