لمَ نحمل هذه النظرة السلبية عن العمر؟- تُدعى هذه النظرة Ageism. فكما توجد عنصرية Racism، وتفرقة على أساس الجنس Sexism، يوجد تمييز بحسب العمر، وتحيّز ضد كبار السن. هذه التفرقة تعاني منها المرأة أكثر من الرجل، والدليل أن أول ما تُسأل عنه المرأة عادة هو عمرها. لذلك فإن قلق السن مرتبط بتصوّرات رجعية وقاسية وجاهلة بحق المرأة، تبرمجنا عليها مبكراً، في حين أن لكلّ إنسان مجموعة أدوار يلعبها على مدار فترات حياته.

متى يمكن القول إننا دخلنا في الشيخوخة؟
- تغيّر تعريف الشيخوخة. في الماضي كانت تحدّد وفق مقياس العمر. أما اليوم، مع تطوّر العلوم والطب الحديث وتقنيات التجميل، باتت تعرّف بحسب الوظائف الداخلية المتصلة بجينات الفرد، وقدرته على القيام بالعمل. فعندما تخسر الوظائف الجسدية الكثير من فعاليتها، ويحتاج الإنسان إلى مساعدة للقيام بالأعمال البديهية التي تضمن استقلاليته، نكون قد دخلنا في مرحلة الشيخوخة. لديّ صديقة رياضية في أواخر ستينياتها، تعيش في لندن، عندما أزورها ونتريّض معاً، أجدها أحياناً أقوى مني. في المقابل، أعرف كثيرين في العمر نفسه، بالكاد يستطيعون التقدّم خطوتين.

(الأحبار)


كيف لنا في هذه الظروف القاسية أن نعمل على شيخوخة صحية ونحن نغرق في بحر من الغذاء الملوّث والأخبار السيئة؟
- لن أقول هنا ما هي مسؤوليتنا الاجتماعية، إنما سأركز على المسؤولية الفردية. فالهاتف الذي نحمله طوال النهار، مثله مثل الطعام، هو غذاء. كلّ ما يدخل إلى الجسم يؤثر عليه، إن كان بصرياً سمعياً أو ذوقياً، لذا علينا أن نختار ما الذي نُدخله إلى جسمنا. لا أدعو للعيش في فقاعة، لكن على الأقل يمكن تجنّب ما يسبّب إزعاجاً. فالضغط النفسي والإجهاد والقلق يؤثر على شيخوخة الأعضاء وعلى الجهاز المناعي والبشرة بسبب ارتفاع هرمون الكورتيزول، الذي يؤدي بدوره إلى الالتهابات المزمنة وبالتالي خطر الإصابة بالأمراض والتأكسد.
أما بالنسبة إلى الغذاء، فأن نأكل الخضار أفضل من أن لا نأكلها. ومن النعم التي لدينا أننا تربينا على حمية البحر الأبيض المتوسط القائمة على الحبوب والخضار والسمك والجوز واللوز وزيت الزيتون، وقد ثبت أنها تحمي وتخفّف الإصابة بالأمراض (القلب والشرايين الدموية)، ومن يتبعها يعيش فترة أطول وبصحة أفضل. حتى المناطق في العالم التي تسمّى المناطق الزرقاء، حيث يمتدّ عمر الإنسان إلى المئة، اكتشفوا أن أحد أسرارها هي حمية البحر الأبيض المتوسط. ومن لا يستطع شراء الخضار العضوية، فليشتر من خضار السوق ويكفي أن يغسلها جيداً بالماء والملح والخل.

الكثيرون يعتبرون أن الحياة الصحية مكلفة وبالتالي تنحصر بالميسورين.
- ليس مكلفاً أن نمشي على قدمينا بدل استعمال السيارة، وإذا حضرنا الأكل في المنزل ولم نتناول العشاء في الخارج، ونمنا باكراً ولم نسهر، وشربنا الماء بدلاً من المشروبات الغازية، وأكلنا الفاكهة ولم نأكل الشوكولا والبسكويت… بل بالعكس هكذا أوفّر بعض المال وأربح أكثر من 80% من الحماية لجيناتي. أكثر من ذلك، من الأشياء التي تأتي مع الشيخوخة، هي ارتفاع خطر الإصابة بالأمراض، فحتى لو حملت في خريطتي الجينية استعداداً للإصابة بالأمراض، إذا اتبعت نظام حياة صحي يتضمن الحركة الرياضية المعتدلة المنتظمة أسبوعياً، وكنت آكل الكثير من الخضار الملونة، وأبتعد عن الأكل المعلّب والمهدرج والمكرّر، فهذا من شأنه حمايتي.

هل تشجعين عمليات التجميل؟
- المرأة محارَبة وتُعاب في كلّ شيء. في شكلها، في خياراتها، ودائماً يُنتظر منها ما يفوق طاقتها. كلّه ينبع من ثقافة حاربت المرأة من جهة، وبقيت تنتظر منها صورة مثالية من جهة ثانية. وفي زمن السوشيال ميديا، نجد أن المراهقات لم يعدن يتقبّلن أشكالهن الحقيقية. يغيّرن وجوههن على شكل نجمات عالميات، لأنهن يعتقدن أن الصورة التي يشاهدنها هي الحقيقة. ولنتصوّر امرأة ناجحة ترزح تحت الكثير من المسؤوليات، ولا تجد الكثير من الوقت للاهتمام بنفسها، فهي إذا وجدت هالة تحت عينيها في مقابل فتيات مثاليات، ستشعر بشعور نفسي مدمّر. لا أحكم على النساء الواعيات، اللواتي يجمعن بسلاسة وتوازن بين حبّ الاهتمام بالشكل الخارجي والداخلي، إنما أنا ضد أن نصير «صورة مجلة» من دون وعي ومن دون الالتفات إلى صحة الأعضاء. مثلاً، امرأة عمرها 50 سنة، إذا كانت مدخنة فعمر رئتيها 75 سنة، وإذا كانت غير مدخنة وتمارس الرياضة فعمر الرئتين 30 سنة. فإذا أردت أن أغذي بشرتي فأول عضو لتغذية البشرة هي صحة الأمعاء التي تعدّ بشرتي الثانية. يجب تغذية الأمعاء يعني التريليون بكتيريا التي تعيش بأنسجة الجهاز الهضمي ويشكل 70% من جهازي المناعي.

ماذا عن فعالية هرمونات مكافحة الشيخوخة في الحفاظ على الشباب؟
- بعض علاجات الهرمونات عند النساء لا علاقة لها بالشيخوخة، بل بعوارض تصيب بعض النساء اللواتي تنقطع عندهن الدورة الشهرية، لأنها مزعجة وتؤثر سلباً على نوعية الحياة في هذه الفترة، حيث يكون بعضهن مرشحات أكثر للعديد من أمراض القلب وهشاشة العظام ويحتجن إلى فترة محددة من العلاجات الهرمونية المدروسة.
لكن السؤال هل الهرمونات هي النبع الذي يدرّ الشباب؟ والإجابة هي نعم إلى حد ما، لأن الهرمونات تجعل الإنسان يعيش بوظائف الشباب، على أن لا نخضع لها لمدة طويلة ومن دون إشراف طبيب مختص، وإلا تحدث تفاعلات خطيرة جداً. فكلّ من يأخذ هرمونات من دون وصفة طبيب يؤذي نفسه، ولا سيما الرجال الذين يأخذون هرمونات لتكبير العضلات.
ندخل في الشيخوخة عندما تخسر الوظائف الجسدية فعاليتها ولا علاقة للعمر بالأمر


هل يوجد دواء لوقف الشيخوخة؟
- اليوم لا يوجد دواء. لكن هناك دواء في مرحلة الاختبار يغيّر التركيبة الجينية ويؤخر الشيخوخة، والرهان عليه كبير. هل الشيخوخة مرض؟ أقول قريباً سيعلن أنها مرض. العلم تقدّم جداً. ربما يسأل البعض كيف لم يجدوا دواء للسرطان وسيجدون دواء للشيخوخة، وأقول إن دواء الشيخوخة سيحلّ كل الأمراض الباقية، لأن الشيخوخة هي السبب الرئيسي للأمراض حيث تتغير الخلية وتخسر شكلها ووظائفها المثالية. بالطبع أنا لا أقول إن الإنسان لن يمرض. هذا تبسيط ولكن بشكل عام فإن تأثير العمر على وظائف الخلية وشكلها هو الذي يؤدي إلى الأمراض بجميع أنواعها.

ماذا عن المكملات الغذائية؟ ولم نضطر لتناولها إذا كان أكلنا صحياً؟
- لنتفق أن المكملات الغذائية تقع تحت خانة التغذية لا خانة الأدوية، لكن السؤال لمَ أحتاج إلى تناول المكملات الغذائية إذا أكلت جيداً؟
ما نعرفه أن التربة الزراعية الحديثة تعمل كلّ السنة تقريباً، في حين أنها كانت تعمل موسمياً في الماضي. فالأرض التي تُزرع فيها البندورة، كانت تنتظر من موسم إلى آخر، حتى ترتاح التربة وترمم كلّ المعادن التي تتكدّس طوال السنة، وتمتصها الثمار. أما اليوم، ومع تربة تعمل على مدار السنة، بات عليّ أن أتناول 20 حبة مشمش لأحصل على ما كانت تعطيني إياه حبة مشمش واحدة من حاجتي للفيتامين A والفيتامين E.
من جانب آخر تلعب المكملات الغذائية دوراً مهماً جداً في محاربة الأكسدة وإصلاح التوازن في صحة الأمعاء ودورها الطبيعي في محاربة الالتهابات الطبيعية، من دون الرجوع إلى أدوية عند بعض الأشخاص. لكن يجب أن لا نأخذها من دون استشارة طبيب إذ لا يوجد تركيبة سحرية من المكملات الغذائية للجميع، إنما لكلّ إنسان تركيبة مُحاكة على مقاسه وهو ما يقوم عليه طب المستقبل.