تداولت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط إعلامية، أخيراً، خبر «اكتشاف إسرائيليين نوعاً جديداً من الثعابين في لبنان» أُطلق عليه «الثعبان الدرزي». وهو خبر تضمّن مغالطات كثيرة من الصحافة الإسرائيلية والناقلين عنها، وقلة خبرة وعلم، ونقلاً حرفياً عن الإنكليزية، من دون تمييز بين «النوع» و«الفصيلة»، ولا بين «الحيّة» و«الأفعى» و«الثعبان»، مطلقين على هذه الزواحف اسم «الأفاعي»، علماً أن الاسم العام الجامع لها هو «الحيّات»، كما جاء في القرآن الكريم، وفي اللغة السريانية (حيويو). فيما إطلاق إسم الأفاعي على الحيّات يسيء إلى سمعتها من دون وجه حق، لكون 90% من هذه لا «أنياب» لها، ولا تشكل خطراً على البشر. أما الأفاعي فهي فقط كما ذكرها الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد (إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلّب في أنيابها العطب).هذا النوع معروف وجوده في لبنان منذ زمن طويل، وقد شوهد في غابة الباروك منذ أكثر من 25 سنة، وبعدها في مناطق جبلية عدة، علماً أن هذه الحية المسالمة من أجمل حيّات لبنان، ولا تشكّل أي خطر على البشر، وتعتاش على القوارض وتساهم في ضبط أعدادها.
تصنيفياً، تنتمي هذه الحيّة الى نوع منتشر في المنطقة وفي أوروبا أيضاً. ما استجدّ حديثاً هو أن أحد العلماء السلوفاكيين الذي أتعاون معه، بحكم اهتمامه بزواحف وبرمائيات لبنان واختصاصه في التصنيف المبني على مقارنات الحمض النووي، أجرى دراسة على عيّنات من هذا النوع، خلصت إلى أن هذا الثعبان الموجود في الجولان المحتل وجبل الشيخ وسلسلة جبال لبنان الغربية يختلف عن أمثاله في أوروبا، وكان من الطبيعي أن يعطى اسماً جديداً.
الاسم العلمي الأول لهذا النوع كان Elaphe sauromates، قبل أن يُطلق عليه Elaphe quatuorlineata. ولكن، بعد الدراسة الأخيرة، أصبح من الضروري إطلاق اسم علمي جديد له. وبما أن انتشاره الجغرافي يشمل مناطق جبلية تقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، برز اقتراح بتسميتها Elaphe druzei (حية الدروز) بقصد ربطها رمزياً بالمجتمعات المحلية للحفاظ عليها. في المداولات مع الباحث السلوفاكي، اعترضنا مراراً على الاسم لأنه قد يُفهم كإساءة الى الطائفة المعنية، وما حصل الأسبوع الماضي من نقل الخبر وردود الفعل عليه هو بالضبط ما كنا قد توقعناه، علماً أننا حرصنا على البحث عن اسم عربي غير علمي قد يربطها بالمجتمع الدرزي أو بثقافته أو جغرافيته من دون أن يُساء استخدامه، وكنا قد أطلقنا على هذه الحية، منذ زمن، اسم «حنش الباروك» لنربط اسمها رمزياً بمحميّة أرز الشوف حيث وجدناها. وقد اقترحت الإبقاء على «حنش الباروك» كاسم عربي محلي غير علمي، لكن بقي الاسم العلمي على ما كان قد اقترح، بحكم أنه لم يعد لي قرار في هذا الشأن بعدما تخلّيت عن وضع اسمي على هذا البحث بسبب وجود اسمَي باحثين إسرائيليين مشاركين فيه.
التمعّن في الاسم العلمي يبيّن أنه ليس لاتينياً كما نتوقع في العادة، بل إن كلمة Elaphe هي من أصل يوناني قديم (ἐλαφῆ)، وهو اسم حيّة كان الإغريق يعدّونها رمزاً للشفاء. الكلمة تعني حرفياً «جلد الغزال»، وهو ما قد يعدّ وصفاً لألوان جلدها. وتدعى هذه الحيّة أحياناً «الحية الإسقليبية» نسبة الى إله الطب عند الإغريق Asclepius. ونظراً إلى علاقة هذه الحية بمفهوم الشفاء، وتبعاً للفظ الكلمة اليونانية في الاسم العلمي (Elaphe)، قد يبدو من المناسب تسميتها «حية العافية». هكذا نرضي من يجب إرضاؤه، من قدماء الإغريق الى الطائفة الدرزية التي تستوحي بعضاً من عقيدتها من الفلسفة اليونانية، ونحمي اللغة العربية من الترجمات الحرفية الضحلة لبعض الهواة، ونعطي هذه الحيّات المفيدة غير المؤذية سمعة طيبة تستحقها، وتخفض مستوى الخوف عند الناس، وتساهم في حمايتها كونها بتصنيفها المستحدث أصبحت من الأنواع المهددة التي يجب حمايتها، فتصبح رمزاً للبيئة المعافاة.
التسميات مسؤولية حساسة لا يجب تركها لأيٍّ كان!

* استاذ علم البيئة، قسم الأحياء،
الجامعة الاميركية في بيروت