أصدرت محكمة الاستئناف العليا في المحاكم الشرعيّة قراراً بإبطال قرار القاضي الشرعي في بيروت الشيخ وائل شبارو بتعيين ناظر حسبة (حارس قضائي) لإدارة وقف البر والإحسان والتحقق من حصول مخالفات. «الانتصار» الذي حققه مجلس أُمناء الوقف الذي يرأسه النائب السابق عمّار حوري، جاء بعد ضغوط على شبارو وناظر الحسبة المعين الشيخ فؤاد زراد في الأسابيع الماضية لـ «ضبضبة». وبعدما طرق هؤلاء الكثير من الأبواب، آخرها الرئيس تمّام سلام الذي أبلغهم أنّه لا يُحبّذ التدخّل، ومفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي طلب «بعض الوقت»، انتهت السبل بمجلس الأمناء إلى رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية الذي يدعم ناشطين ادّعوا على المجلس لتصحيح المخالفات في إدارة الوقف.وكانت المفاوضات بين الجهة المدّعية وتلك المدّعى عليها، بدأت بـ«إغراءات» قُدّمت لبعض الناشطين بمناصب في إدارة الوقف ووصلت إلى اعتراف بعض أعضاء المجلس بحصول مخالفات قديمة وضياع مبلغ مليون و500 ألف دولار سيتم العمل على إعادتها، وموافقتهم على تعيين مكتب تدقيق محاسبة وناظر حسبة على الوقف. وعندما استبشر الناشطون خيراً، خصوصاً أنّ رئيس المحاكم الشرعيّة الشيخ محمّد عسّاف وعد شبارو بإعادة الملف إلى يده، قبل أن يتبيّن أن الأمر كان عبارة عن «خديعة» لتمرير قرار محكمة الاستئناف وسط تعتيم إعلامي!
وإذا كان يحق لمجلس أمناء وقف البر والإحسان رفع علامات النّصر، إلا أن قرار محكمة الاستئناف العُليا يعدّ ورقةً لنعي المحكمة الشرعيّة التي تبيّن أنّها لا تختلف عن القضاء المدني. إذ يؤكد قضاة شرعيون أنّ ما حصل يُحوّل المحكمة إلى «محكمة كل مين إيدو إلو»، ويتيح للقضاة من الآن فصاعداً ألّا يلتزموا بسقف القوانين المرعيّة الإجراء، بل إصدار «هرطقات» غير قانونيّة واختراع مواد جديدة من أصول المُحاكمات، طالما أن رئاسة المحكمة تتواطأ مع المُخالفين، وطالما أن هيئة التفتيش في المحكمة تدفن رأسها في الرّمال، تحت ذريعة أن رئيسها سيُحال إلى التقاعد بعد أيّام. والأهم، أن المعنيين في المحكمة أصدروا «دفتر التعليمات» حتّى يلتزم القضاة الشرعيون جميعهم بها، وكي لا يتجرأ قاضٍ آخر أن يفعل ما فعله شبارو الذي يبدو أنّه «قضى على مستقبله المهني بعد التهديدات التي وصلت إليه»!
ارتكابات ومخالفات سادت المسار القانوني لإبطال قرار تعيين حارس قضائي


مسار هذا الإخبار، بغض النّظر عن حيثيّاته، يشي بأنّ ما حصل هو «وأد» للمحكمة التي تزعزعت الثقة فيها من القضاة أوّلاً قبل المُراجعين. هؤلاء كانوا يعرفون أن الفساد «ينخر عظام» محكمتهم، وأن يد المرجعيّات السياسيّة «طايلة» فيها، لكن المفاجأة أنّ قضاة محكمة الاستئناف ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، و«طوّبوا» للرئيس فؤاد السنيورة محكمةً باسمه، بعدما تردّد أن الأخير ضغط لإبطال قرار شبارو بمعيّة مفتي الجمهوريّة ورئيس المحاكم الشرعيّة. هكذا، حوّل رئيس الحكومة السابق قراراً عن وقفٍ بيروتي إسلامي إلى كباشٍ سياسي لـ «كسر شوكة» هاشميّة، ومن خلفه الرئيس سعد الحريري، وكان بعض القضاة أداةً طيّعة في يده.

تفاصيل الارتكابات
هي «جريمة» كما يصفها قضاة شرعيون يؤكّدون أنّ «الارتكابات» التي حصلت في «وضح النّهار» هي سابقة في «الطريق الجديدة» وأثبتت، بالوجه الشرعي، أنّ لا سقف يُمكن الاحتكام إليه. هذا ما حصل حينما اقتحم المستشار الشيخ عبد الرّحمن الحلو مكتب شبارو، يُرافقه رئيس قلم الاستئناف الشيخ هلال اليافي، وخلع خزانته لـ «السطو» على الملف. وعندما تبين للحلو أن الملف الذي «خطفه» بطريقة غير قانونيّة لم يكن كاملاً، قرّر أنّ يبدأ ضغوطه على شبارو للحصول على بقية الملف. ولم يسلم شبارو من الشتائم وتهديده بنقله إلى منطقة نائية وتشويه سمعته. وأدّت الضغوط التي مورست على القاضي إلى تسليم الملف مع وعدٍ بأن يتلقّى طلباً قانونياً بذلك عبر «واتس اب»، باعتبار أن الحجّة الشرعيّة التي أصدرها تم الطعن بها من قبل النائب العام الاستئنافي القاضي زياد الشعراني. لكن، فعلياً، لا أحد يعلم ما إذا كان الأخير قد طعن حينما تم «خطف» الملف من يد شبارو، خصوصاً أنّ الأخير لم يتلقّ طلباً قانونياً.
الأنكى من كلّ هذه الارتكابات، هو ما حصل أول من أمس عندما أصدرت محكمة الاستئناف الُعليا قراراً أطلقت عليه صفة «السري» وهو ما لم يحصل يوماً في أي محكمة، بعدما رفض عسّاف والحلو تسليم المحامي محمّد الكردي صورة طبق الأصل عن القرار، قبل أن يقوموا تحت الضغط أمس، بتسليمه نصاً مجتزءاً من ثلاث صفحات عن الفقرة الحكميّة التي اقُتطع منها أكثر من 17 صفحة!
ويصف قانونيون ذلك بأنه «فضيحة». إذ لم يسبق أن اعتبرت المحكمة أن القرار الذي تُصدره سرياً لأن «لا سريّة في الأحكام»، إضافة إلى مصادرة المحكمة الحق بالطعن من خلال عدم تسليم القرار إلى المتضررين ليتمكنوا من الطعن في حيثيّات القرار أمام المحكمة المختصّة.
أما أفدح المخالفات، فكانت احتفاظ الحلو بقراره لنفسه مانعاً إرسال نسخة منه إلى محكمة البداية ضارباً بالأصول القانونيّة بعرض الحائط، كما قام بالنظر في القرار الرجائي والدعوى النزاعية معاً، فيما الاعتراض على الحجة الشرعية الصادرة عن شبارو يجب أن تطعن بها الجهة المستدعية. اختصاراً للطريق من أجل «ضبضبة» الملف.