ليست الكوليرا سوى نموذج مصغّر لعمل منظمة الصحة العالمية في وزارة الصحة، وقد سبقتها تجربة أطول مع فيروس كورونا استمرت أربع سنواتٍ، وانتهت بانتهاء التمويل وسمسراته. «شغل» المنظمة في وزارة الصحة، كما «شغل» المنظمات الدولية في الوزارات الأخرى، يبدأ بشقّ طريقها عبر تفاصيل بسيطة لتتحول بعدها مؤسسة رديفة تتدخّل في كل جزئية. في نموذجي الكوليرا والكورونا، سلكت منظمة الصحة العالمية المسار التالي، في ما يشبه الـ «ماركيتينغ»: خلق «الفرصة» ثم تسويقها من خلال إعداد خطّة طوارئ بملايين الدولارات لا أحد يراقب كيفية تنفيذها، ومنها تمويلها لبرامج ودراسات، وما يستتبع ذلك من الحصول على تفاصيل كثيرة، ليس أقلّها الداتا. واللافت هنا أنها تفتح المزراب «لمن تشاء»، بحسب عاملين في الوزارة، وهو ما يبدو صحيحاً جداً مع استمرار موازنات بعض البرامج وقطعها عن أخرى.ولضمان إبقاء المزراب مفتوحاً، تسعى المنظمة للدخول في زواريب الاستشارات والقيام بالدراسات التي تخرج في بعض الأحيان عن إطار العلمية. أحد النماذج «عندما رصدت منظمة الصحة لسبع دراسات 6 ملايين يورو قبل الأزمة المالية، منها دراسة أجريت بين طوابق الوزارة للإطلاع على العناصر البشرية الموجودة وتقدير حاجات الوزارة». من بين الدراسات أيضاً «واحدة عن مكافحة التدخين أجريت في المكتب بكلفة 60 ألف دولار، علماً أنه كان هناك اقتراح رفضته المنظمة بتكليف موظفين إجراءها مقابل عشرة آلاف دولار». أما أسوأ النماذج فهي «الدراسات التي انبثق منها ما سمي مرصد السياسات الصحية الذي كان أقرب إلى التنفيعة وأسهمت الوزارة في تمويلها بقيمة مليون دولار رصدت من الموازنة وبقيت تعطى حتى ما قبل الأزمة». الأنكى أن «هذا المرصد نفسه بات هو المسؤول عن الدراسات. عملياً، يعني هذا أنه كان هو من يأخذ التمويل». والمفارقة أن من سعى لإنشاء هذا المرصد وأصبح في ما بعد مسؤولاً عنه بات اليوم «مسؤولاً كبيراً» في منظمة الصحة العالمية!