استندت الدراسة إلى مسح ميداني وجوّي أجرته مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، تطبيقاً للمرسوم الرقم 6569 بتاريخ 3 تموز 2020 حول «تحديد دقائق تطبيق المادة 61 من قانون موازنة عام 2019». شمل المسح 1235 موقعاً على كامل الأراضي اللبنانية، وبلغت المساحة الإجمالية التي حصلت فيها النشاطات المرتبطة بالمقالع 15.1 مليون متر مربع، فيما وصلت الكميات المستخرجة في الفترة الممتدة بين عامَي 2007 و2018 إلى 196.9 مليون متر مكعب. وأعلن وزير البيئة ناصر ياسين في تغريدة أنّ هذا «الحدّ الأدنى لمستحقات الخزينة من قطاع المقالع والكسارات ومحافر الرمل».من هنا يبدأ منسّق «هيئة المبادرة المدنية» في عين دارة المهندس عبد الله حدّاد تساؤلاته حول شمولية الدراسة، فـ«عندما طُرح النقاش جديّاً حول استيفاء الحكومة مستحقاتها من قطاع المقالع والكسارات والمرامل عام 2019، بالتزامن مع صدور قرار إقفال الكسارات، تحدّث باحثون ومستشارو وزارة البيئة عن 60 مليون متر مربع وليس 15 مليوناً». التفاوت الكبير بين الرقمين يعزوه حدّاد إلى «غياب مساحات المرامل في بلدة عين دارة عن جداول الدراسة». كما توقّف عند الرقم 2.4 مليار دولارالذي قدّرته الدراسة لمجموع المستحقات، «بعدما كان الحديث في أوساط وزارة البيئة سابقاً عن سبعة مليارات دولار، ثم أربعة مليارات دولار، قبل الإعلان عن الرقم الأخير». كذلك، لم تحتسب الدراسة التعويض عن الألم والمعاناة «كونه يفترض أن يطالب به الأشخاص المتضررون من خلال دعوى قضائية». وفي هذا السياق، يأخذ حدّاد على الدراسة ثلاثة أمور:
أولاً، «يحتاج الادّعاء إلى معرفة المعلومات الكافية حول المقالع، وإلى رقم السجل العقاري للمقلع ولمن تعود ملكيّته... فيما تتحدث الدراسة عن تجمّعات المقالع (cluster) من دون الإشارة إلى: عددها، اسم العقار وصاحبه».
ثانياً، «لم تثمر الادّعاءات الشخصية عن نتائج ملموسة، فلماذا يضع بيان وزارة البيئة عبء الادّعاء الجزائي على المواطنين المتضررين؟». ويلفت إلى أن هيئة المبادرة المدنية «تقدّمت عام 2018 بمجموعة شكاوى لدى النيابة العامة المالية والاستئنافية في جبل لبنان حول جرائم انتهاك محميّة أرز الشوف في نطاق عين دارة وما رافقها من اختلاس أموال وتهرّب ضريبي وتبييض أموال ورخص مزوّرة وسرقة مشاعات. لكن، لم تدّعِ النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون على أحد وحفظت الملف، لتصدر أول العام الجاري قراراً قضائياً يسمح بنقل ستوكات كسارات أقفلت عام 2019 بدل حجزها لتسديد الرسوم البلدية والتعويض عن الانتهاك البيئي. وبعدما أصدرت المحامية العامة المالية القاضية إيمان عبد الله قراراً يلزم بلدية عين دارة بتكليف الكسارات مبلغ 170 مليون دولار بدل المبالغ المتدنّية جداً التي كانت تتقاضاها، أحال النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم الملف إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، من دون أن نرى نتيجة ملموسة بعد مرور أربع سنوات».
لماذا لا تصدر قرارات عن وزير المالية لاستيفاء رسوم الكسارات على منصة «صيرفة» أسوة بقطاعات أخرى


ثالثاً، «أليست الدولة متضررة من الانتهاك البيئي والتهرّب الضريبي الذي يضعه قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الرقم 44/2015 في خانة الأموال المبيّضة؟ لماذا لا تدّعي هيئة القضايا في وزارة العدل على أصحاب المقالع والكسارات وعلى كل من شارك في عمليات الفساد والرشى المنظّمة وعرقل تحصيل الرسوم؟».
وزير البيئة أعلن أن الرسوم المجباة ستُحوّل إلى حساب خاص باسم الدولة اللبنانية يُفتح بالدولار الأميركي في مصرف لبنان، ويُخصّص للإنفاق على المشاريع البيئية. بعيداً عن الشكوك التي تحيط بمصير هذه الأموال في ظل استمرار المنظومة التي كرّست الانتهاكات في القطاع والتهرّب الضريبي، يشكّك حدّاد في «قانونية تجميعها في صندوق مركزي وتحديد أبواب إنفاقها فيما قسم كبير منها رسوم بلدية».
إلى ذلك، حدّد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الرسوم المتوجب دفعها بالدولار الأميركي، من دون أن يتّضح وفق أيّ سعر صرف للدولار، وخصوصاً أنّ الدراسة لم تصل إلى تاريخ بدء الأزمة الاقتصادية. ويلفت حدّاد إلى «أننا طلبنا لدى وضع موازنة 2022 أن يكون دولار رسوم الكسارات موازياً للدولار الجمركي، لكن الأمر غُيّب كليّاً عن الموازنة. بعدها وُعدنا بإدراجها في موازنة 2023 من دون أن نعرف وفق أيّ سعر صرف». وفي ظل عدم إقرار موازنة 2023 يسأل: «لماذا لا تصدر قرارات عن وزير المالية لاستيفاء رسوم الكسارات على منصة صيرفة أسوة بقطاعات أخرى مثل قطاع الاتصالات، ويباشر المعنيون إرسال إنذارات للدفع؟».