حتى اليوم، لم ينكشف حجم العنصرية المخبأة في وعي بعض اللبنانيين. فالممارسات العنصرية يمكنها أن تتخطى حدود الضرب والشتم والإهانة لتصل في فرن الشباك إلى حدّ رمي ثلاثة شبان بمادة مانعة للنش في وضح النهار وعلى مرأى من جميع الذين وقفوا ينظرون إلى المشهد ببرودة قاتلة. المشكلة الأكبر هي أن تحصل هذه الحادثة منذ شهرين من دون أن يعرف بها أحد.
البيان الصادر عن قوى الأمن يتحدث عن تضارب بين أشخاص لبنانيين وسوريين بتاريخ 14/9/2014 على خلفية تعبئة صهريج مياه لإحدى البنايات في محلة تحويطة فرن الشباك، «حيث قامت زوجة أحد السوريين برمي عبوات طلاء وبعض الشتول وعبوات مياه وقطع حديدية من شرفة منزلها لإبعاد المتجمعين، وأصابت عدة أشخاص بالطلاء. وتم إيقاف شخصين سوريين بعد التحقيق»، بحسب ما جاء في البيان. إلا أن مصادر مطلعة تدحض رواية قوى الأمن وتنفيها نفياً مطلقاً، إذ حصل تلاسن بين شبان سوريين وآخرين من الحي أثناء تعبئة مياه لإحدى البنايات في تحويطة فرن الشباك، حيث استفاقت العنصرية في نفوس «شباب الحي»، وتحوّلت قصة المياه إلى رغبة في طرد السوريين من المنطقة، فأقدموا على ضربهم ورميهم بدلو يحتوي على مادة تمنع النش. هذه المادة من الصعب إزالتها وتصبح مزعجة وموجعة عندما تجف. اقتيد الشبان الثلاثة إلى مخفر فرن الشباك حيث لم يحتملوا الأوجاع الناجمة عن مادة منع النش، فطلبوا استقدام أحد ليحلق لهم شعورهم بعدما تعذرت إزالة المادة بالمياه. لم تنته مأساة الشبان هنا، بل جرى التحقيق معهم، فأخلي سبيل اثنين وأحيل الثالث على الأمن العام لأن أوراقه غير قانونية، ليتحول الضحية إلى مذنب. لا يُعرف ما إذا تم توقيف أحد من المعتدين، إلا أن أجواء المنطقة لا توحي بذلك أبداً، فالأغلبية تبرّر الاعتداء الحاصل، وكأن ثقافة الاستقواء أصبحت هي القاعدة في ظل تراخي أجهزة الدولة عن الحد من هذه الممارسات، ما يعزّز شعور «الحصانة» لدى «شباب الحي» الذين يقولون بوقاحة «دايماً منعمل مشاكل معن، يرجعوا على بلدن».