في 22 آذار 2013 وقّع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء محمد نجيب ميقاتي المرسوم 10110 الذي نُشر في العدد 14 من الجريدة الرسمية الصادرة في 4 نيسان. عنوان المرسوم هو نظام التعويضات والمساعدات، أما مضمونه فهو أمر ملتبس جدّاً؛ ففيما ترك انطباعاً لدى موظفي القطاع العام بأن قيمة تعويضاتهم العائلية ازدادت بنسبة 125% للتعويض عن الزوجة وبنسبة مماثلة عن كل «ولد مُعال»، تبيّن لوزارة المال وللصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أنه غير قابل للتطبيق!
في الواقع، تحدّد المادة الأولى من المرسوم المذكور الموظفين الذين تستحق لهم التعويضات العائلية وشروطها، فيما تشير المادة الثانية إلى قيمة التعويض العائلي الشهري الذي يستحق للموظف أو الموظّفة على النحو الآتي:
ــ عن الزوج أو الزوجة 20% من الحدّ الأدنى للأجور في الإدارات العامة.
ــ عن كل ولد معال 11% من الحد الأدنى للأجور على ألا يتجاوز مقدار التعويض عن الأولاد نسبة 55% منه.
ــ يشمل التعويض العائلي جميع المتعاقدين في الإدارات العامة بدوام كامل والجامعة اللبنانية والمتقاعدين والمتعاملين بدوام كامل مع وزارة الإعلام.
حرفياً، إن هذا النص يعني أن استفادة الموظف في القطاع العام عن عائلته ازدادت بعد زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة في مطلع عام 2012 لتصبح على النحو الآتي: 135 ألف ليرة عن الزوجة، و74250 ليرة عن كل ولد مُعال. وبالمقارنة مع التعويضات المحدّدة سابقاً بقيمة 60 ألف ليرة عن الزوجة و33 ألف ليرة عن كل ولد معال، فإن هذا المرسوم يعطي الموظف زيادة على التعويضات العائلية بقيمة 75 ألف ليرة أو ما يوازي 125% عن الزوجة، وبقيمة 41250 ليرة أو ما يوازي 125% أيضاً عن كل ولد معال.
نظراً إلى هذه الزيادة «الكبيرة» التي حصل عليها موظفو القطاع العام، «عمّت» الفرحة أروقة الإدارات العامة وصفوف القوى الأمنية والعسكرية وسواها من فئات المستفيدين من موظفي القطاع العام على أساس أنهم كانوا يمنّون أنفسهم من سنوات بمثل هذا الكرم الزائد من مجلس الوزراء وبمباركة رئيسي الجمهوية ومجلس الوزراء ومن الخزينة العامة. ظنّ كثيرون بينهم أن أسباب صدور المرسوم هي انتخابية استدعتها الظروف السياسية والتحالفات القائمة بين ممثلي الجهات المختلفة في حكومة ميقاتي التي أصبحت اليوم في موقع تصريف الأعمال. ورغم معرفة العدد الأكبر من موظفي القطاع العام بأن التوصيف الصحيح لهذا الأمر هو «رشوة انتخابية بالجملة»، كانوا مستعدين لقبولها ولم يكن ليمنعهم أي شيء عن قبول هدايا مماثلة اعتادوها خلال العقدين الأخيرين.
لكن هذا الاحتمال «البشع» لم يكن صحيحاً إلا في أوهامهم، لأن ظروف صدور هذا المرسوم كانت مختلفة تماماً.
ففي الواقع، لقد عكفت دوائر وزارة المال المختصة على دراسة المرسوم 10110، وتبيّن لها أنه لم يعدّل في قيمة التعويض العائلي المحدّد بـ60 ألف ليرة عن الزوجة و33 ألف ليرة عن كل ولد. السبب هو أن تطبيق هذا المرسوم يلغي المادة السابعة من القانون 717 الصادرة في عام 1998 والتي تلغي «اعتماد الحد الأدنى للأجور كمؤشر في جميع النصوص القانونية والتنظيمية، ويستعاض عنه أينما ورد بالمؤشر المؤلف كما يأتي: مبلغ 300 ألف ليرة مضافاً إليه ما يعادل نصف نسبة التضخم السنوية التي يعتمدها مصرف لبنان، على أن تقرّ هذه النسبة بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال، وأن يعاد النظر سنوياً في المؤشر استناداً إلى مبلغ الـ300 ألف ليرة ونصف نسبة التضخم التراكمية».
هذا يعني أن زيادة التعويضات العائلية تكمن في استصدار مرسوم آخر، وأن المرسوم 10110 لم يستهدف هذه النقطة لأنه يربط التعويض بالحدّ الأدنى، فيما هناك قانون صادر يلغي هذا الربط، ولا يمكن أي مرسوم أن يلغي قانوناً.
إذاً، ما الذي استدعى إصدار هذا المرسوم؟ تقول مصادر مطلعة إن اتفاقية «سيداو» المتعلقة بـ«إلغاء أشكال التمييز ضدّ المرأة»، التي وقّعها لبنان أخيراً، فرضت إصدار هذا المرسوم لتعديل نظام التعويضات والمساعدات وتضمينه كلمتين فقط. ففي المادة الأولى ذكر المرسوم أنه يعطى الموظّف (ذكراً أو أنثى)... وفي المادة السابقة الفقرة (أ) زيدت كلمة «الزوجة» للتأكيد أن بدل التعويض العائلي يحدد عن الزوج والزوجة بنسبة 20%...
بهذه الخلفية صدر المرسوم، لكن لو كان ليطبّق لكانت هناك تعقيدات أخرى من نوع مختلف. فالمعروف أن موظفي الدولة ليسوا منتسبين إجبارياً إلى نظام تعاونية موظفي الدولة، إذ إن قسماً كبيراً منهم منتسب إلى نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لا يربط أيضاً بين التعويض العائلي والحدّ الأدنى للأجور، وبالتالي لو طبّق هذا المرسوم المخصص للقطاع العام فلا يمكن أن يطبق على أولئك الذين هم منتسبون إلى الضمان والبالغ عددهم 57 ألف موظّف.
إذاً، كيف تزاد التعويضات العائلية وما هي كلفتها؟ تقول مصادر مطلعة إن هذا المسار يبدأ بإصدار مرسوم تحدد فيه نسبة التضخم، ثم يتبعه مرسوم ثان يشار فيه إلى الزيادة الواجبة على التعويضات العائلية من نصف نسبة التضخم خلال فترة معيّنة. وتقول المصادر إن مثل هذه الزيادة اليوم قد يكلّف الخزينة العامة أكثر من 100 مليار ليرة... لكن يبقى هناك سؤال واحد: هل بات الفراغ يشغل إدارات الدولة إلى درجة أن المرسوم 10110 كان مجرّد هفوة سخيفة حمقاء، أم أن هناك «بناديق» في السلطة كانوا يحاولون «قطف» الناخبين بقصّة مزيّفة؟