قبل أقلّ من أسبوع، عادت فتاة في الثانية عشرة من عمرها تهرول إلى منزل أسرتها وهي تصرخ وتبكي من شدة الخوف. وبعدما هدأت، أخبرت والدتها بأن عاملاً سورياً لاحقها خلال وجودها في منطقة زراعية قريبة من منزلها، وحاول الإمساك بها، لكنها استطاعت الهرب منه ولجأت إلى أسرتها.
جريمة التحرّش، أو الاغتصاب المفترض الذي كان يمكن أن يحصل أو لا يحصل، أثارت رد فعل جماعي، ليس تجاه الجاني المفترض فحسب، بل تجاه معظم مواطنيه من العاملين واللاجئين السوريين الذين توافدوا إلى البلدة منذ بدء الأزمة؛ إذ توافقت فاعليات هذه البلدة الجنوبية الواقعة في قضاء صور، وعائلاتها، على إطلاق حملة تهجير للسوريين المقيمين بينهم. وطلبوا منهم، عمالاً ولاجئين وعائلات، مغادرة البلدة فوراً. وقد نفّذ هؤلاء ما طلب منهم بسرعة خوفاً من تعرضهم لاعتداءات.
يحصل هذا في بلدة كان فيها العامل السوري حاضراً دائماً، قبل الأزمة السورية. ولطالما احتضنت سائر البلدات الجنوبية آلاف العمال الذين اندمجوا في قطاعات العمل الحرفية، وقلما سجلت حوادث وإشكالات بينهم وبين أهالي البلدات. فما الذي استجد أخيراً وبدد العلاقة اللبنانية السورية؟
بعد تزايد عدد اللاجئين السوريين في البلدات الجنوبية، تصاعدت نسبة الشكاوى من بعضهم. وأسقطت على الغالبية منهم مسؤولية تزايد عمليات السرقة والاعتداءات والحوادث والأعمال المخلة بالأمن والآداب العامة. ورغم أن القوى الأمنية اكدت أن نسبة الجريمة لم تتزايد بعد تدفق السوريين، وأن الأخيرين ليسوا مسؤولين عن كل ما يحصل من مخالفات، كان يكفي أن يكشف تورط أحد السوريين في جريمة ما، لينزل عقاب جماعي بكلّ حاملي الجنسية السورية المقيمين بينهم. جريمة الاغتصاب التي لم تحصل قبل أيام، وقعت بالفعل في بلدات جنوبية أخرى. هناك، جنّ جنون الأهالي على السوريين جميعهم، على خلفية قيام واحد أو اثنين منهم بالتحرش بفتاة واغتصاب أخرى. وطُرد الجانيان بعدما نالا نصيبهما من الضرب المبرح. لكن ما حصل أخيراً هو أن السوريين طردوا جميعاً بسبب خطأ أحدهم الذي وصف بأنه «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»، بحسب أحد الأهالي، مؤكداً وجود «حال من التململ والاستياء بسبب عبء تزايد عدد اللاجئين السوريين المقيمين في البلدة الذين أكلوا من درب السكان الأصليين اقتصادياً». ويشير المواطن إلى أن «الكثير من أبناء البلدة من العمال والمزارعين والباعة في المحال التجارية وأصحاب الأفران إلخ... تقلصت أعمالهم بسبب استبدالهم بالسوريين الذين اقتحموا سوق العمل المحلي وافتتحوا أفراناً وملاحم ومحال ألبسة وبسطات خضر ...»، وذلك بسبب تدني أجورهم مقارنة باللبنانيين.