بعيداً عما يحصل في سوريا وتأثيره على النقل البري بين الدول العربية، وخصوصاً على الصادرات اللبنانية، تبيّن أن ثماني دول عربية وقّعت اتفاقية النقل البري الدولي للترانزيت المعروفة باسم (TIR)، لكن ستاً منها فقط تطبقها. سوريا هي الأكثر استفادة بين هذه الدول حتى مطلع عام 2011، قبل أن تندلع الأزمة فيها. أما بالنسبة الى لبنان، فوضعه لا يختلف عن باقي الدول التي تُصنَّف ضمن لائحة الأقل استفادة. فما هي مزايا هذه الاتفاقية؟ وأي قاعدة يفضّل القطاع الخاص اللبناني استعمالها في تجارته الخارجية؟ وأي قاعدة تفضل الأجهزة المكلفة بالأمن الحدودي استعمالها؟
هذه الأسئلة وأجوبتها كانت محور النقاش الذي دار أمس في ورشة العمل التي عقدها الاتحاد الدولي للنقل البري بعنوان «فوائد اتفاقية النقل البري الدولي TIR لتسهيل النمو والازدهار في العالم العربي». أبرز النقاشات، هي تلك التي حفّزتها دراسة كشف عن نتائجها وسام حصري من غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان.
هذه الاتفاقية تهدف إلى توحيد الإجراءات الحدودية والمعاملات الخاصة بالنقل البري الدولي العابر (ترانزيت) بين الدول الأعضاء، ما يؤدي إلى خفض كلفة التصدير وأسعار السلع وتسهيل التبادل التجاري البيني.
عملياً، إن خلاصة الدراسة التي نفذتها غرفة بيروت تنطوي على قصر نظر لدى جهتين؛ فإذا كان الترانزيت هو عبور البضائع من دولة إلى أخرى لتصل إلى مقصدها، لا تزال هناك دول عربية لم تنضم بعد إلى TIR مثل السعودية. أما الجهة الثانية، فهي القطاع الخاص في لبنان، سواء الشركات المصدرة والمستوردة ووسطاء النقل، إذ إن هؤلاء لم يجدوا في الاتفاقية المذكورة ما يحفّزهم على استعمالها في عمليات التصدير والاستيراد.
وبحسب الدراسة، فإن هناك تسع اتفاقات أساسية لتيسير التجارة الدولية، لكن بين الدول العربية فإن تونس والمغرب هما الدولتان الأكثر انضماماً إلى هذه الاتفاقات المتعلقة بالنقل البرّي، فيما تشير الإحصاءات إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط تسجّل إقبالاً ضعيفاً عليها.
تعدّد الإجراءات انعكس تلقائياً فوضى عربية، أو ما يمكن أن يوصف بأنه اختلاف في الإجراءات الجمركية والحدودية المتخذة لتسهيل انتقال بضائع الترانزيت. فالبلدان العربية الـ 22 ليس لديها توصيف موحّد للترانزيت، ولا لأكلاف هذه العملية، فيما تختلف جذرياً الضمانات المطلوبة من الشركات ووسطاء النقل، ويختلف وقت إنجاز المعاملات على الحدود بين بلد وآخر. أيضاً، هناك بلدان تطبّق بعض الإجراءات على مكاتب حدوديّة معيّنة دون أخرى، أما المستندات المطلوبة لإتمام معاملات الدخول والخروج فهي عديدة، وفي بعض البلدان ليس هناك اعتراف بإجراءات الدول الأخرى.
كل هذه الاختلافات تزيد كلفة النقل وتنعكس على سعر مبيع السلعة للمستهلك. فضلاً عن هذا السياق، تمثّل اتفاقية TIR للنقل البري الدولي ـــ ترانزيت، مرجعاً موحداً يهدف إلى استعمال معايير وإجراءات موحدة لمرور البضائع عبر الدول، وهو أمر يؤدي إلى خفض الكلفة وتسهيل التبادل التجاري البيني.
حتى الآن، انضم إلى هذه الاتفاقية ثماني دول عربية، لكن ستاً بينها تطبقها وهي: المغرب، تونس، لبنان، الأردن، سوريا والكويت. وبحسب حصري، فإن سوريا وحدها تصنّف ضمن الدول الأكثر استفادة من هذه الاتفاقية لأنها صدّرت منتجاتها إلى أوروبا الشرقية وإيران وسواها من خلال هذه الاتفاقية، ثم استوردت ما يلزمها من بضائع على أساسها أيضاً، فيما أعداد الشاحنات السورية والأجنبية التي استعملت في التبادل التجاري هي متساوية، خلافاً لما يحصل في لبنان حيث عدد الشاحنات غير اللبنانية هو أكبر، سواء في الدخول أو الخروج.
لكن، لماذا يخفض استعمال اتفاقية TIR الكلفة على الشركات؟ الإجابة تكمن في أنه بمجرد انضمام الشركات ووسطاء النقل إلى نادي «TIR» فإنه يمكنها الحصول على «دفتر خاص معترف به بين الدول المنضمة والقيام بكل المعاملات اللازمة على أساسه». لكن الحصول على هذا الدفتر «أمر يتطلب تطبيق شروط قاسية لمعايير النقل والسائقين وإجراءات السلامة وسواها...» بحسب الخبير الدولي في النقل البري جان أكري.
عند هذه النقطة، تبرز مشاكل، بالنسبة إلى لبنان، من نوع أن السعودية التي تستقبل 8% من الصادرات اللبنانية ليست منضمّة إلى هذه الاتفاقية، وأن بعض الدول التي ليست منضمّة تقع في وسط منطقة عبور الشاحنات، ما يعني أن على الشركات أن تصدر أوراقاً جديدة لعبور الشحنات لدى هذه الدول.
ليست هذه المشكلة هي ما يدفع الشركات إلى التخفيف من استخدام الاتفاقية كمنصّة انطلاق لتصدير البضائع واستقبالها. فرغم أن اتفاقية TIR تقلص كلفة النقل وتخفف التأمينات المطلوبة من الشركات وتزيد سرعة إنجاز المعاملات الحدودية، إلا أن وسيط النقل عصام السباعي يشير إلى «تضارب في المذكرات التي ترعى النقل البري الدولي بين لبنان ومضامين الاتفاقات الدولية»، لكنه يعزو هذا التضارب إلى أن «الأجهزة الرسميّة تنسى أن لبنان وقّع اتفاقات من هذا النوع وتتعامل مع كل تاجر على أنه مهرّب حتى يثبت العكس».
كلام السباعي أثار ممثلي إدارة الجمارك في ورشة العمل، فردّوا عليه بأنهم يطبّقون كل الأنظمة والقوانين المرعية التنفيذ «حتى إنه بورقة واحدة يمكن إدخال البضائع إلى لبنان».
وبحسب مصادر مطلعة، فإن إحجام القطاع الخاص عن استخدام هذه الاتفاقية يعود إلى أنه لم يتمكن من إيفاء متطلبات ومعايير اتفاقية TIR نظراً إلى سعيها الدائم لأعمال غير مشروعة.