لم يكن يعلم رجل الدين ع.ف. أنّه قد يقع يوماً ضحية «ابتزازٍ جنسي». حاله كحال الطبيب الجرّاح س.أ. الذي يُهدَّد بـ«فضيحة». تختلف قصة استدراج الرجلين في بدايتها، لكنها لا تلبث أن تتطابق. يتداخل فيها الاحتيال عبر الإغراء أو إثارة الشفقة. وأحياناً توسّل العمل مدخلاً، وصولاً إلى استخدام «حصان طروادة»، الذي يؤدي دور الجاسوس في المرحلة الأخيرة. والجواسيس هنا تشتهر إلكترونياً باسمين: «Trojan» أو «Botnet»، التي تتسلل إلى جهاز الكومبيوتر الخاص بك، من دون علمك، لتتحكّم به كما تشاء. تمتلك معلوماتك وتُشغّل كاميرا المحادثة لتُصوّر، خلسةً، كل ما قد تقع عليه عين الكاميرا الزجاجية.
قصّة الطبيب بدأت مع تلقّيه رسالة من كاهنٍ أجنبي عبر الفايسبوك. يسرد الطبيب ما حصل معه لـ«الأخبار». الكاهن المزعوم حدّثه عن طفلٍ يعاني مرضاً نادراً، عارضاً عليه إجراء عملية جراحية له. وأخبره أنّهم تمكنوا من جمع تبرّعات مالية تكفي لتغطية كلفة العملية. يذكر الطبيب أن الكاهن طلب عنوانه على السكايب ليعرض عليه الطفل، فردّ عليه بأن ذلك لن ينفع وأنه يحتاج إلى معاينته. وتحت إصرار الكاهن، رضخ الطبيب ليفتح كاميرا المحادثة. لم يكن هناك طفل. كذلك لم يُشاهد الكاهن. كان هناك رجل آخر. ولمّا سأل الطبيب عن الطفل، ردّ الأخير كتابة بأنّ «الأب ذهب ليُحضره». مرّت دقائق، لكنّ أحداً لم يحضر. ولم يلبث أن قُطع الاتصال. مرّ يومان، تلقّى بعدها الطبيب رسالة على الفايسبوك تحمل مضموناً إباحياً. يقول الطبيب إنّه شاهد اسمه وصورته على مقطع إباحي، مرفقة بمحادثة ليست محادثته. ليس هذا فحسب، يقول الطبيب: «ظهر مقطع فيديو يظهر فيه وجهي، كأنما أُشاهد مشاهد جنسية»، ثم يليه مقطع آخر لرجل يداعب عضوه الذكري، يرتدي صاحبه الذي لا يظهر وجهه، زي الطبيب الأبيض نفسه. صُعق الطبيب مما رأى، ولا سيما أن المشهدين متتابعان إخراجياً بشكل يُخيّل إلى الناظر أنّ المشهدين للرجل نفسه، باعتبار أن اللباس واحد. لم يتمالك نفسه عندما أُتبع المقطع المُرسل، برسالة يطلب مرسلها منه دفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار، وإلّا فسيُرسل المقطع إلى جميع أصدقائه على صفحات الفايسبوك. أخبره المُرسل أنّه يعرف كل شيء عنه، مهدداً إياه بإرساله إلى البريد الإلكتروني لجميع الأطباء المسجّلين في نقابة الأطباء. وأتبعها بعبارة «ستُدمَّر حياتك... استعدّ لتتعايش مع الفضيحة». طلب الطبيب مهلة، لكن المشتبه فيه لم يمنحه أكثر من ٢٤ ساعة لإرسال المبلغ، وأعطاه عنواناً واسماً، أخبره أنهما وهميان، كي يُرسل المال له عبر «الويسترن يونيون». كان الاسم أجنبياً، أما عنوانه فكان في تركيا. وأرفقها بعبارة «ساعدني فأعفو عنك».
قصّة رجل الدين لا تختلف كثيراً، إلا من حيث الشكل فقط. فقد بدأت عندما طلب شاب عبر الفايسبوك صداقته. لفت انتباه رجل الدين هوية الشاب الفيليبينية، لكنّه وافق على قبوله، باعتبار أنّ هناك أصدقاء مشتركين معه. يقول رجل الدين لـ«الأخبار» إن المحادثة بينهما كانت تتم كتابياً باللغة الإنكليزية، مشيراً إلى أنه خُيّل له أن صديقه الفايسبوكي كان يعلم من يكون. أعرب الشاب عن رغبته في الالتزام الديني، مشيراً إلى أنّ المحادثة متقطّعة، وطالباً محادثته عبر السكايب. وافق رجل الدين، لكنه فوجئ بأن المحادثة استمرّت كتابياً. لم يكن هناك صوت، ولمّا استفسر ردّ الشاب بأنّ الصوت معطّل لديه. وفوجئ بعدما بدأ الأخير يعرض مقاطع فيديو إباحية. لم تدم المحادثة طويلاً قبل أن ينقطع الاتصال. لم تنته المسألة هنا، تكرر الذي حصل مع الطبيب. وصلته بعد يومين رسالة تهديد تحمل المضمون نفسه، لكنّ مرسلها طلب مبلغ ألفي دولار، معتمداً الأسلوب نفسه. وقع رجل الدين في الفخّ، وباتت سُمعته على المحك، ولا سيّما أن «جسمنا نحن رجال الدين لبّيس عند الناس». ويقول: «قميصي المعرّق قليل الانتشار، لكنّي فوجئت بأن الرجل الذي ظهر في المقطع الثاني في وضع مخزٍ كان يرتدي القميص نفسه»، كاشفاً أنه رضخ لمطلب المشتبه فيه، فأرسل المبلغ الذي طُلب منه على عنوان في الفيليبين.
وعلى المنوال نفسه وقع الطالب الجامعي أحمد ح. في شرك مماثل. يقول أحمد إنّ فتاة من سنغافورة طلبت صداقته عبر الفايسبوك، ولدى بدء محادثتهما، طلبت منه تزويدها بعنوان السكايب لديه، ففعل. هكذا تحوّلت المحادثة إلى مرئية. يذكر أحمد أنّ الفتاة فوراً قامت بخلع ملابسها بشكل كامل، طالبة منه القيام بحركات فاضحة معينة، فاستغرب جُرأتها غير المألوفة بهذه السرعة القياسية، لكنّه جاراها، ليفاجأ بعد انتهاء المحادثة بساعات، برسالة من الفتاة نفسها تُهدّده برفع فيديو له على موقع يوتيوب أو يدفع مبلغ ١٠٠٠ دولار. يُخبر أحمد أنّه رضخ للابتزاز، لكنّ المسألة لم تنته هنا. فقد عاود الشخص نفسه طلب مبالغ أُخرى، ودخل أحمد في دوّامة الابتزاز.
«الأخبار» استطلعت العناوين الإلكترونية الثلاثة، فتبيّن أنها لا تزال ضمن الخدمة. الأسماء الثلاثة كانت على صداقة فايسبوكية مع شخصيات معروفة، إلّا أن أحداً من هؤلاء لا يعرف هوية أصحابها الحقيقية. ولدى اتصالك بهم، سواء تجاوبت أو لم تفعل، بمجرّد قبول إضافتهم، فإن براعة هؤلاء كفيلة بأن تضعك على لائحة الضحايا.
يتابع مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي الذي ترأسه الرائد سوزان الحاج شكاوى الجرائم الإلكترونية. وبحسب المعلومات الأمنية، نجح المكتب المذكور في كشف عدد من العصابات الناشطة إلكترونياً وتوقيفها. وتمكن من كبح جماح العصابات التي تنتحل صفة شخصيات معروفة مستخدمة الفايسبوك وسيلة للنصب. في المقابل، كشف أحد الضبّاط ورتباء عملوا في هذا الفرع، لـ«الأخبار»، أن العقبة التي تحول دون الإيقاع بالمشتبه فيهم وجود بعضهم خارج الأراضي اللبنانية، مشيرين إلى أنّ هؤلاء يطلبون تحويل المال إليهم بواسطة «الويسترن يونيون»، مستخدمين بطاقات هوية مزوّرة لسحبها.