لا تتعدى نسبة مشاركة النساء، عالمياً، في الانتخابات نسبة الـ25 في المئة. لبنان يحلّ على هذه اللائحة في المراتب الأخيرة، فهو في المرتبة 135 من حيث تمثيل المرأة في المجالس الوطنية، بنسبة 3% فقط من النساء في مجلسه بعد انتخابات العام 2009! وإن كان الاعتقاد السائد بأنّ تأخّر وصول المرأة إلى المناصب السياسية مرتبط بتقدّم البلاد على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ورفاهية الشعوب، فإنّ رواندا التي تحتلّ المرتبة الأولى على لائحة الدول التي لديها أكبر تمثيل نسائي في البرلمان، بنسبة 56%، هي أكبر مثال على أنّه باتباع نهج ومخطّط سليم يمكن للمرأة أن تحقق أهدافها. وصلت المرأة في رواندا إلى نسبة التمثيل العالية تلك باتباع نظام المقاعد المحجوزة. أي إنّه يتمّ الاتفاق على عدد معيّن من المقاعد في المجلس، تُعطى حصراً للنساء، وبالتالي فإنّ التنافس عليها هو بين نساء الأحزاب المختلفة فقط. بعد تكريس فكرة عمل المرأة في السياسة في أذهان الناس وحثّ المرأة على المشاركة في الحياة السياسية بشكل فاعل، تتّجه رواندا الآن لإلغاء نظام المقاعد المحجوزة للنساء، كي تضعها على قدم المساواة مع الرجل، فتعتمد الانتخابات على الأكفأ بين المرشّحين.
في ورشة العمل لتعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات التي نظّمها أمس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبّرت النساء المحاضرات عن رغبتهنّ فقط في الوصول إلى المجلس النيابي أكثر من أي شيء آخر. وبينما عبّر المحاضرون عن أهميّة كفاءة المرأة التي يجب أن تصل إلى البرلمان، كان همّ بعض الحاضرات أن تصل المرأة إلى المجلس، كائناً من كانت، كي يثبّتن في أذهان الناس وجودهنّ في البرلمان. لكن المشكلة أن التجربة أثبتت أنّ وصول المرأة فقط لأنّها امرأة إلى المجلس، على قلّتهنّ، لم يساعد في ترسيخ دور المرأة الفاعل في الحياة السياسية، ولم تنجح أيّهن في تشكيل مثال، كما أنهنّ لم يقدّمن أي دعم لقضايا النساء في البلد. فمنذ تعيين نائلة معوّض في العام 1991 بعد اتفاق الطائف إلى دخول النائبة بهية الحريري وستريدا جعجع، وصولانج الجميّل وغيرهنّ، بقين الزوجات والأمهات والعمّة، ولم تنجح أيّ منهنّ بالتميّز، مع أنّه لو أرادت إحداهنّ ذلك لكان الأمر بغاية السهولة بما أنّ قلّة عدد النساء في المجلس تسمح لأيّ امرأة متميّزة أن تبرز بين زملائها الرجال.
عادت الفوضى إلى الصالة مرّة أخرى بعدما طرحت المستشارة السياسية في مكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان شانتال سركيس على الحاضرات، أن يتمّ البحث مع المجلس الحالي، من أجل الانتخابات المقبلة، موضوع المقاعد المحجوزة ضمن التدابير والإجراءات القصيرة الأمد لتحسين التمثيل السياسي للمرأة. وبما أنّه من غير المرجّح أن يقوم أحد النوّاب بالتخّلي عن مقعده من أجل امرأة من الحزب نفسه، اقترحت سركيس تحقيق الموضوع عبر زيادة عدد المقاعد النيابيّة. اعترضت بعض السيّدات ورفضن التفاوض مع مجلس يمثّل النظام الطائفي، بما أنّهن يردن نموذجاً مختلفاً للبلد. فطلبت سركيس من النساء أن يعملن بمبدأ الحصول على العنب لا قتل الناطور. تغيير النظام السياسي هدف للمستقبل، لكن في الوقت ذاته يجب تحقيق الهدف بالوصول إلى تمثيل سياسي للنساء في ظلّ واقعنا هذا. لكن الفوضى التي خلقتها النساء في الصالة استدعت تدخّل كبير المستشارين التقنيين لبرنامج مشروع مساعدة الانتخابات اللبنانية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ريتشارد شامبرز عدّة مرات ليذكّرهنّ أنّ مشكلة النساء في لبنان هي في كون صوتهنّ غير مسموع. ولكي يصل صوتهنّ عليهنّ أن يتخليّن عن هذه الفوضى ويكنّ أكثر تنظيماً.
ورأى أنّ أسئلتهنّ التي أتى معظمها خارج السياق وعدم قدرة معظمهنّ على طرح أفكارهنّ بشكل منهجي ودقيق هو نقطة ضعفهنّ. واقترح ردّاً على خطابهنّ السلبي، اللواتي عبّرن عنه بأسئلتهنّ التي تضعهنّ دوماً في موقع المتلقيّات، أن ينتقلن إلى دور المبادر ويفكرن بكافة الطرق لإقناع المجلس النيابي سواء بنظام المقاعد المحجوزة أو الكوتا على الترشيح أو الكوتا الطوعيّة من قبل الأحزاب السياسية، ليصلن إلى هدفهنّ.
وإذا كانت ورشة العمل هذه مخصّصة للمرأة، فكنّ أبرز الحاضرات، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ المشكلة هي فقط مسؤوليتها، بل إنّ غياب الرجل عن هذه الورش لا يعبّر سوى عن الجزء الأبرز من المشكلة، في مجتمع تخبرنا الإحصاءات فيه أنّ 89،3% منه يؤيّد مشاركة المرأة في الحياة السياسية، بينما %43،6 يؤكدون أنهم لا ينتخبون امرأة و25% لا يملكون جوابا على إمكانية إعطاء صوتهم لامرأة! فشتّان ما بين التأييد نظرياً والفعل.