انها لعنة ممتدة من 15 تموز الى 15 تشرين الاول، موسم حرائق واعد جداً، حرارة مرتفعة مع القليل من الرياح تكفي للقضاء على هكتارات واسعة من الغابات القليلة اصلا. لكننا في العام 2013 ولسنا في العام 2007، حينها قضت حرائق الغابات على مساحات خضراء تفوق جميع المساحات التي اعيد تشجيرها منذ نهاية الحرب الاهلية. خطوات عديدة اتخذت منذ ذلك التاريخ ابرزها اقرار مجلس الوزراء «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان» وشراء طوافات «سيكورسكي» المتخصصة في مكافحة الحرائق، وملايين الدولارات التي انفقت على المنظمات غير الحكومية والدفاع المدني لشراء معدات وبرامج وتدريب الجهاز البشري. لكن كل ذلك ينهار أمام اول حريق. كالعادة، تسارع البلديات وجهاز الدفاع المدني الى القول ان الحرائق في الغابات اللبنانية مفتعلة، وفيما لا يزال مشروع قانون النيابة العامة البيئية في ادراج مجلس النواب، لم يقدم أي مفتعل لهذة الحرائق أمام العدالة. لكن الحقيقة المرة التي نرفض تصديقها أن أسباب الحرائق في غالبيتها تعود إلى ظواهر تغير المناخ، وأن كثافة اندلاعها منذ منتصف تموز، ترتبط بارتفاع في درجة الحرارة مع هبوب رياح ساخنة، الأمر الذي يمثّل بيئة نموذجية للحرائق.
حريق حرج السفيرة ــ الضنية كان الأكبر، لم تستطع معدات الدفاع المدني الدخول الى عمق الغابة الكثيفة الاشجار، وفي وقت كانت فيه طوافات الجيش اللبناني تسعى جاهدة لاخماد الحريق خلال النهار، كان الحريق يتجدد في الليل منذراً بكارثة حقيقية تصيب الغابة الأكبر للصنوبر في لبنان. وعلمت «الأخبار» ان واحدة من طوافات «سيكورسكي» ترقد في مرأبها منذ ما يزيد على عام، وذلك بسبب التأخر في اتمام المعاملات الادارية لشراء قطعة غيار وتركيبها. وبعدما قيل ان لبنان لم يعد بحاجة لطلب النجدة من الخارج، أعلن رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي أن الحكومة اللبنانية قد تطلب مؤازرة طوافات القوات البريطانية الموجودة في قبرص لاخماد هذا الحريق».
رئيس بلدية السفيرة ــ الضنية حسين هرموش أعلن أنه كلف محامياً للادعاء على مجهول، موضحاً لـ«الأخبار» أن لديه معلومات أن «الحريق مفتعل، وأن من قاموا بفعلتهم معروفون من الأجهزة الأمنية بالاسم، ولكنها لا تتحرك لتوقيفهم لأسباب لا نعرفها».
وكان الحريق في حرج السفيرة قد تجدد امس بعدما استطاعت طوافات الجيش أول من أمس السيطرة على جزء منه وإخماد النيران التي اشتعلت فيه. لكن مع توقف عمليات إطفاء الحريق ليلاً، لأن الطوافات غير مجهزة ولأن الوصول إلى مكان الحريق داخل الحرج غير ممكن إلا مشياً، تجدد الحريق صباح أمس.
مديرة جمعية الثروة الحرجية والتنمية سوسن بو فخر الدين قالت لـ «الأخبار»: الجمعية نفذت بالتعاون مع الدفاع المدني مشروع الانذار المبكر للحرائق وبات هناك نشرة يومية تحدد درجة الخطورة والمناطق المهددة، لكن هذه النشرة تحتاج الى تعاون البلديات التي يجب ان تكون مستنفرة هذه الايام قبل الحريق واثناء حدوثه وبعد وقوعه». واضافت «وقعنا مع عدد من البلديات بروتوكولاً نموذجياً نأمل ان يعمم على جميع الاقضية، وهناك تجارب ناجحة في جزين وجبيل وعندقت، ونأمل ان يمر هذا الموسم بأقل خسائر ممكنة».
ولفتت بو فخر الدين إلى ان الجمعية قامت بتجربة تركيب نظام انذار مبكر في الغابات لكن المعدات تعرضت للسرقة والتخريب، لذلك لم يكن من المجدي تعميم هذه التجربة. ورأت ان الحل بمزيد من التدريب والتجهيز وانشاء برك المياه القريبة من الغابات لأن الطوافات لا يمكنها اخماد حريق كبير اذا كانت بعيدة عن مصادر المياه.
وحتى عصر أمس كان الدخان ينبعث من بين الأشجار المحترقة في الغابة الممتدة بين السهلة وقنية في جبل أكروم إلى جرمانايا والرامة في وادي خالد. أبناء المنطقة أياديهم على قلوبهم خوفاً من نسمة هواء تحيي ألسنة نيران لا تزال خامدة تحت الرماد. هكذا يلخص رئيس بلدية السهلة عدنان الخطيب المشهد بعد يومين من حرائق التهمت ما يزيد على المليون متر مربع من الأشجار الحرجية. اشتداد الحرائق بلغ البساتين الخاصة، فالتهمت معها أكثر من ثلاثة آلاف نصبة زيتون، وطالت شرفات المنازل، ولولا استبسال أهالي المنطقة، تؤازرهم العناصر التابعة لمراكز الدفاع المدني في كل من أكروم ، وادي خالد، الهيشة، القبيات، عندقت وعيدمون، لاحترقت الكثير من المنازل.
آليات الدفاع المدني عجزت عن بلوغ الكثير من المساحات المحترقة، وباستثناء آلية صغيرة لمركز الدفاع المدني (عيدمون) لم تتمكن سائر الآليات من الاقتراب من المنازل، لذلك يؤكد الخطيب أن عائلات عدة كانت عرضة للموت حرقاً.
موسم الحرائق بدأ، المشهد ذاته يتكرر كل سنة، رقم المليون متر مربع بات لازمة بعد الانتهاء من كل حريق، يليها الحديث عن عجز آليات الدفاع المدني، ونقص العديد والعتاد الأخرى. فمنذ عقد ونصف العقد كان لمنطقة الدريب مركز واحد للدفاع المدني يحوي آليات عدة ومجموعة عناصر في بلدة القبيات، ثم انتشرت المراكز، مركز تلو آخر، مقوماته مدير قارب سن التقاعد، وآلية واحدة من دون سائق موظف، فتصبح الحركة غب الطلب وغب حماسة المتطوع، لأن عناصر الدفاع المدني باتوا جميعاً من المتطوعين. وبالإضافة إلى ذلك، تبقى الهمة الفعلية على أبناء المنطقة، وعلى قدرة المروحيات العسكرية على التوزع بين الحرائق المتفرقة. ولأن حريقاً هائلاً كان قد نشب في بلدة السفيرة في قضاء الضنية، فقد كان نصيب أكروم مروحية واحدة، ألقت حمولة ثلاثة براميل مرة واحدة، ثم غادرت، ويشير رئيس بلدية السهلة إلى أنه طالب قيادة الجيش بإرسال مروحيتين. كان ذلك في العاشرة صباحاً، فلم تصل إلا طائرة واحدة، بمشوارها اليتيم في الخامسة من بعد الظهر.
رئيس مجلس البيئة في عكار أنطوان ضاهر، بدا عاجزاً، وقد سئم من تكرار وصفته في مكافحة الحرائق. يقول ضاهر: لا سياسة حكومية لمكافحة الحرائق في لبنان. ومع ذلك، يجدد اقتراحه لمن يعنيهم الأمر.. أبراج مراقبة على رأس مجموعة تلال تشرف على الأحراج، يشغلها أفراد متطوعون أو متفرغون، يتم تكليفهم من قبل المجالس البلدية والجميعات الكشفية والأهلية، هذا في مجال الوقاية والإنذار المبكر. أما عمليات الإطفاء، فيؤكد ضاهر أن فرقاً صغيرة مجهزة بعتاد بسيط تتمتع بفعالية أكبر بالنظر إلى صعوبة التضاريس، ولا يلزم تلك الفرق أكثر من عملية تنسيق جدية مع قيادة الجيش وتوفير المروحيات لتأمين نقلهم إلى المناطق المطلوبة بالسرعة القصوى.



فنيدق تحمي غابتها

تجربة تبعث على التفاول، جرى اختبارها في اليومين الماضيين. في بلدة فنيدق تحديداً، حيث تمكن الأهالي بوقت مثالي من القضاء على حريق كان بإمكانه أن يلتهم غابة، يتضمن خمساً وعشرين ألف شجرة أرز، مئة ألف شجرة شوح، وكمية ضخمة من أشجار اللزاب والعزر. يقول المختار علي حمد إن لجنة تكونت منذ العام 1975 سميت في حينه «لجنة متابعة الحفاظ على الثروة الحرجية»، ثم تحولت إلى «لجنة مجلس القرية»، إلى أن تولت المهام أول بلدية منتخبة في العام 1998، وكانت المهام واحدة في مختلف المراحل، وهي تعيين أشخاص مهمتهم مراقبة الأحراج، بالإضافة إلى القيام بأعمال التشحيل الدورية، وفتح بعض الطرقات وتقطيع أوصال الأحراج الكثيفة للسيطرة على الحرائق في حال اندلاعها.