يتكشّف واقع السجون، بما فيها أماكن التوقيف الاحتياطي، عن العديد من المشكلات، لعل أهمها الاكتظاظ الحاصل داخلها، وارتفاع نسبة السجناء الموقوفين، وعدم وجود إدارة متخصصة للسجون. ورغم ازدياد حجم الاهتمام بقضية السجون خلال السنوات الماضية، لم تكتسب سجون النساء في لبنان الاهتمام والعناية نفسيهما، وفي حين يتركّز الاهتمام السياسي على قضايا الموقوفين الرجال والمطالبة بالتسريع بمحاكماتهم، تغيب سجون النساء عن أي اهتمام عام أو خاص ولا نلحظ أي طرح لقضايا السجينات.
«تعزيز سياسات وممارسات حقوق الإنسان في سجون النساء في لبنان» مشروع يقوم بتنفيذه التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني بالشراكة مع كل من مركز الأجانب في كاريتاس لبنان ودار الأمل ودياكونيا بدعم من مفوضية الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية السويدية للتعاون الإنمائي.
رودولف جبرايل من منظمة دياكونيا أعلن أن المشروع يهدف الى تحسين الظروف في سجون النساء في لبنان بما يتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان من خلال تحسين السياسات المتبعة في سجون النساء وإرساء آليات قائمة على الحقوق، بما يكفل احترام حقوق السجينات كجزء من حقوق الإنسان. ويستهدف المشروع، الذي سينفذ خلال فترة 30 شهراً، السجينات في لبنان والحراس والكوادر العاملين في سجون النساء الأربعة في بعبدا وطرابلس وزحلة وسجن بربر خازن في بيروت، بالإضافة الى الجمعيات الأهلية ومؤسسات حكومية وهيئات الأمم المتحدة.
رزمة دراسات وتقارير أعدتها الجمعيات الشريكة في المشروع، بينها دراسة عن عشرين جمعية عاملة في سجون النساء في لبنان، أعدتها المحامية غادة ابراهيم بمشاركة المحاميتين فداء عبد الفتاح ودانيا بسيوني والمساعدة الاجتماعية زينب شهاب. كما أنتج المشروع دراسة قانونية مقاربة حول نظام سجون النساء في لبنان في ظل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أعدتها المحاميتان مايا منصور وريتا غاوي. وجميع هذه الدراسات متوفرة عبر الموقع الإلكتروني للمشروع
www.lebanonprisons.org الذي يفترض أن يتحول الى بوابة معرفية إلكترونية حول السجون في لبنان.
خطة عمل المشروع كانت أمس عنوان ورشة عمل، في بيت المحامي في بيروت، بمشاركة الجمعيات الناشطة في السجون وممثلين عن نقابة المحامين والوزارات المعنية.
وتناول النقاش أبرز مشكلات سجون النساء في لبنان، سواء في النصوص القانونية أو في الممارسات، والعمل على أبرز المجالات ذات الأولوية والمناصرة للتوصيات المطلوب الأخذ بها لتحسين نظام السجون الحالي في لبنان بما يخص السجينات النساء.
ومع انقضاء الخطة الخمسية لنقل إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل، دون أن يتحقق انتقال فعلي لإدارة السجون، وفي ظل مراوحة العديد من اقتراحات ومشاريع القوانين في مجلسي النواب والوزراء، يحدد الشركاء في المشروع عدداً من المهمات التي يعملون على إنجازها، وأبرزها زيادة كفاءة سلطات وإدارة السجون لدعم حقوق النساء السجينات، وحصولهن على دعم قانوني واجتماعي، ما يمكّنهنّ من المطالبة بحقوقهن والتبليغ عن أي انتهاكات.
المحامية منار زعيتر من التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني عرضت تقريرين عن واقع سجون النساء في لبنان، أعدتهما خلال عامَي 2012 - 2013. وتلفت الى أنها اعتمدت منهجية المقاربة بين الواقع والنصوص القانونية اللبنانية، وتحديداً المرسوم رقم 14310، الذي ينظم السجون وأمكنة التوقيف، إضافة إلى النصوص الدولية المرتبطة بمعاملة السجناء.
تورد زعيتر 33 بنداً حول الواقع الصحي لسجون النساء، حيث يتبين عدم توافر خدمات طبيب نسائي، باستثناء سجن بعبدا، الذي بدأ بتوفير هذه الخدمة حديثاً. وتتوافر خدمات ممرضة على الأقل موجودة يومياً في السجون الأربعة، ولكن تختلف الحال بين وجودها في السجن كل النهار (سجن زحلة وبربر الخازن) ووجود لنصف دوام (سجن بعبدا). وحول الحق في الغذاء، يشير التقرير الى أن الوجبات الغذائية لا تكفي للحفاظ على صحة السجينة وقواها بشكل كامل. كما يسمح للسجينات بالاستحمام ثلاث مرات أسبوعياً. ولا تتأمن حاجة السجينات من الفوط الصحية أبداً. ولا تنفصل المراحيض عن أماكن النوم في سجن بعبدا، وتنفصل قليلاً في سجن زحلة. ولا يؤمّن الغذاء الخاص بالمرأة الحامل خلال فترة الحمل، ولاحقاً الإرضاع. وحول الحق في التقاضي، يشير التقرير الى أنه لا تفصل الموقوفات والمحكومات لأسباب مدنية عن الموقوفات والمحكومات لأسباب جزائية. وتشمل العقوبات التأديبية منع السجينات من التواصل مع أسرهن وأطفالهن.
وتؤكد زعيتر أن التقرير ينطلق من رصد أداء سلطات السجون في سجون النساء الأربعة في لبنان، وأن توفر بعض من هذه المعايير لا يعني أن الدولة قامت بتوفيرها، بل منظمات غير حكومية، أهلية وخيرية ناشطة في السجون وتعمل على تقديم العديد من الخدمات تلبية للاحتياجات الرئيسية للسجينات.
المقدم غسان عثمان، من وزارة الداخلية، أعلن أن الوزارة أعدت لائحة بأسماء الموقوفين الذين لم يطلب القضاة حضورهم الى المحكمة منذ ما يزيد على ستة أشهر، وذلك بهدف التسريع في إجراءات المحاكمة والضغط على القضاة الذين لا يقومون بواجباتهم. وانتقد عثمان أداء بعض الجمعيات العاملة في السجون وتسببها في بعض الأحيان بالفوضى الموجودة في السجون. كلام عثمان أثار عاصفة من الردود من قبل الجمعيات المشاركة. وذكرت جمانة مرعي من المعهد العربي لحقوق الإنسان أن الشرطة المكلفة بإدارة السجون متورطة في الاتجار بالمخدرات وتقديم الخدمات مقابل الرشى، عدا عن فضائح عديدة أدت الى صدور قرارات تأديبية بحق عدد من العناصر والضباط. بدورها، دعت رئيسة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين المحامية إليزابيت سيوفي الى إنشاء لجنة متابعة تضم الجهات المعنية بالسجون.
ومن أبرز التوصيات التي أعلن عنها في ختام الورشة، مراعاة الاحتياجات الصحية للسجينات لجهة إجراء الفحص الشامل عند دخول السجن، الى جانب الاهتمام بالصحة الجنسية والإنجابية والنفسية والوقائية. وحول الحق في الغذاء، أوصت الورشة بضرورة توفير وتحسين نوعية الطعام وكمية الغذاء بما يراعي النساء الحوامل والمرضعات وذوات الاحتياجات الخاصة. كما أوصت الورشة بتأمين المستلزمات الأساسية للسجينات من الفوط الصحية والمناشف والملابس، وذلك ضمن البند المتعلق بالحق في النظافة الشخصية. رزمة الحقوق الخاصة بالسجينات تشمل أيضاً الحق في التأهيل وإعادة الاندماج والحق في التواصل والحق في الحصول على المعونة القضائية مع اهتمام خاصة بالسجينات الأجنبيات وحقهن في الحماية القانونية والنفسية، وتطوير إدارات السجون وتدريب الحارسات والممرضات والأطباء العاملين.