لا شيء في كفرملكي يوحي بجنون مذهبي أو طائفي، كما روّجت بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، مسلّطة الضوء على الإشكال الفردي الذي وقع الأسبوع الفائت بين مجموعة من شبان البلدة، ومجموعة من العمّال السوريين المقيمين فيها. بدا الأمر غريباً، وخصوصاً بعدما كثرت الحوادث المماثلة في عدد من المناطق اللبنانية. وقد جاءت حادثة مقتل الصيرفي الصيداوي محمد الناتوت بهدف السرقة داخل محله، من قبل أحد العمّال السوريين، لتلقي بظلالها على الواقع المتفسّخ والعلاقة الحذرة المستجدة بين اللبنانيين والعمال السوريين الموجودين بينهم.

الحوادث الأمنية الأخيرة، والانقسامات الحادة في سوريا، ظهرت على نحو جليّ بين العمّال أنفسهم، الذين ارتفعت أعدادهم في أغلبية قرى الجنوب. منهم من دخل خلسة إلى لبنان محملاً بصور دامية عن الأهل والأحبة، فأسهم ذلك في ارتفاع منسوب الخوف من الآخر، والشعور بالاستهداف. في المقابل لم يكن تنقص الشباب اللبناني العاطل من العمل، والباحث عن هوية اجتماعية، دروس في الخوف والتقوقع، مع تصديق أن «هؤلاء العمّال يسرقون منه فرص العمل، ويقف بعضهم إلى جانب معارضي النظام، الذين يقفون بدورهم مع أعداء المقاومة».
هذا الشحن المتبادل لم يصل بتياره إلى كفرملكي. أهل القرية، ووجهاؤها، ينظرون بإيجابية إلى دور العمال السوريين في بلدتهم، الذين يتجاوز عددهم الـ 150، يعملون في قطاعي البناء والزراعة، وهذا ما أكّده لنا رئيس البلدية عادل حمود: «العامل السوري كانت له إضافة نوعية في نهضة القرية عمرانيا وزراعياً، وهم يعيشون بيننا ولا نفرق بيننا بينهم، وبعضهم تزوج من بناتنا».
لذلك يبدو الاستغراب جلياً عن سبب اهتمام الجميع بتلك الحادثة. أكثر من وسيلة إعلامية محلية وعربية، اتصلت واستفسرت. وفي هذا الإطار، يحرص أحد مخاتير البلدة، يوسف مرسل على القول إنّ «حزب الله وحركة أمل استنكرا ما حصل منذ اللحظة الأولى، ورفعا الغطاء عن كل من يظهره التحقيق مشاركاً أو معتدياً». ولفت إلى أن الشباب المشاركين في الإشكال لا ينتمون سياسياً إلى جهة ما.
من جهته، يروي أحد المشاركين في الإشكال (ع. ب.) تفاصيل الحادثة. يقول إنه كان هو وثلاثة من رفاقه على «البيدر» عند الحادية عشرة ليلاً، عندما مرّ ثلاثة شبان سوريين، يرونهم للمرة الأولى، من أمامهم. سألهم أحد رفاقه: «من وين الشباب؟»، فردّ أحدهم بعبارة «ما خصّك». تشاجر السائل مع المجيب، وعندما تدّخل (ع. ب.) بينهم، ظنّ الشاب السوري أنه يريد الاعتداء عليه، فبادره بضربة سكين على وجهه تسببت بقلع ضرسه، ثمّ أكمل على رفيقه بضربة أخرى أصابت فخذه اليمنى. تطوّر الإشكال، حتى وصل الأمر بالشباب اللبنانيين ورفاقهم إلى اقتحام المنزل الذي يسكنه العمال، وانهالوا ضرباً بالعصي والسكاكين على من كان بداخله. بعدها تدخل المعنيون وعملت سيارة من البلدة إلى نقل الجرحى إلى المستشفى الحكومي في صيدا.
بدأت الاتصالات لتطويق ذيول الحادث على الأرض، فيما غزتْ الشائعات فضاء البلدة والجوار، قبل أن ينتهي الأمر بالتنازل عن الدعوى المقدّمة من قبل العمال السوريين مقابل تعويض مالي. ويبقى السؤال المحيّر عن الإجراءات المتخذة من قبل البلدية والقوى الأمنية اللبنانية لمنع وقوع حوادث مشابهة قد تحدث بعد حين في كفرملكي، أو جوارها أو ما بعدها.
يوضح رئيس البلدية عادل حمود أن «البلدية اجتمعت مع العمال السوريين في البلدة، وأكّدت لهم أنهم غير مستهدفين، وتمنّت عليهم عدم التجول بعد العاشرة ليلاً، وأن لا حاجة لهم بحمل السكاكين أثناء تنقلهم في البلدة، مع رفع الغطاء عن المشاركين في الإشكال، تمهيداً لقيام القوى الأمنية بملاحقة كل من يسبب الأذى والإزعاج للبلدة وساكنيها».
هذا التمني بعدم التجوال ليلاً عدّه البعض تمييزاً ضدّ العمّال، فيما أكد المختار يوسف مرسل أنه «يصبّ في مصلحة أبناء البلدة والعمال السوريين الموجودين فيها، ويمنع تكرار أيّ احتكاك في المستقبل، ويقطع الطريق أمام أيّ طابور خامس يسعى إلى إثارة القلاقل المذهبية والسياسية».
كفرملكي أقفلت أبواب حاراتها وعادت إلى يومياتها. العمّال السوريون في ورش البناء، وأبناء البلدة ينامون إلى الظهيرة ، لعلّ القادم من الأيام يحمل بين يديه تأشيرة إلى بلد آخر أو... مغامرة جديدة؟