في القرن السادس عشر، كان الملك هنري الثامن يعتنق المذهب الكاثوليكي. وعندما رفضت الكنيسة الكاثوليكية في روما منحه الطلاق، انفصل عنها ووضع نفسه على رأس كنيسة انكلترا. كان ذلك قبل أن تتمركز الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا وتزدهر في عصر الملكة إليزابيث الأولى. اليوم، بعد قرون على «تمرّد» الملك هنري، بات الطلاق سهلاً في بريطانيا، وخصوصاً بعد إقرار الزواج المدني، الذي لا يجبر المرء على تغيير مذهبه أو ديانته. الوضع مختلف في لبنان، إذ لا يزال الراغبون في الطلاق مضطرين إلى تبديل مذهبهم الديني من أجل الحصول عليه.
ندى (اسم مستعار) قرّرت هجر زوجها بعد 6 أعوام من الزواج. «كانت ابنتي في الرابعة من العمر، وكانت تشاهد المشاكل وترى كيف يتعامل والدها معي بعنف وتسمع صراخنا... اعتقدت بدايةً أنه من الأفضل أن أبقى مع زوجي كي لا تكبر الطفلة ووالداها منفصلان، لكنني اقتنعت لاحقاً بأنّ من الأفضل لها أن تعيش تلك التجربة على أن تربى في محيط من الخوف والحقد والعنف». ورغم تقديم ندى الإثباتات التي تؤكد تصرف زوجها العنيف معها، لم تحصل على الطلاق أو فسخ الزواج من الكنيسة الكاثوليكية (المارونية)، فلجأت إلى الكنيسة السريانية، «بدّلت طائفتي وحصلت على الطلاق هناك، وعندما تعرّفت إلى زوجي الحالي تزوّجته في الكنيسة السريانية».
ليست ندى الوحيدة التي عانت «سيطرة» الكنيسة الكاثوليكية على تفاصيل حياتها. تقول سمر (اسم مستعار) «بعد 9 سنوات من الهجر، دخلت مكتب القاضي المسؤول عن ملفّي وقلت له، لا أقيم مع زوجي منذ 9 أعوام، وهو لديه عشيقة اليوم، ماذا أفعل لكي أحصل على الطلاق؟!». فأجابها: «أغلقي الباب، وأنا بقلّك كيف تاخدي الطلاق». اعتنقت سمر بعدها الدين الإسلامي لكي تحصل على الطلاق، وتقرّبت بعد طلاقها من الكنيسة الأنجيلية، وتزّوجت رجلاً إنجيلياً في الكنيسة بعدما بدّلت ديانتها مرةً ثانية.
«المحاكم الدينية والمارونية بالتحديد تسيّر مجرى عمليات الطلاق أو فسخ الزواج أو بطلانه على مزاجها الخاص وحسب مصلحتها ومنافعها الخاصة»، يقول فادي (اسم مستعار)، الذي انفصل عن زوجته منذ 13عاماً ولم يحصل بعد على الطلاق. يضيف «الطلاق في المحكمة المارونية سلعة عليك أن تدفع مقابلها مبلغاً لا يقلّ عن الـ10.000 دولار... يتذرعون بالإنجيل، ويقولون إن الطلاق لا يجوز في الدين المسيحي، ومن جهة أخرى يبشّرون بأن المسيح أعطانا حرية الاختيار والتصرّف، فإذا كان المسيح هو الذي منحني هذه الحرية، لماذا تسلبني إياها الكنيسة باسمه؟».
ربما باستطاعة قانون أحكام الزواج لدى الطوائف الكاثوليكية الصادر عام 1991 الإجابة عن هذا السؤال. يشدّد القانون على عدم استعمال كلمة «طلاق»، عند التكلّم عن انحلال عقد الزواج. «فالانحلال يجري بالوفاة، بالإبطال وبالفسخ، أما الهجر، فإنه يفرّق بين الزوجين في المسكن مع بقاء عقد الزواج قائماً بمفاعيله كافة». ما يعني أنه، حتى إذا استمر الهجر لمدة 20 عاماً أو أكثر، يبقى عقد الزواج قائماً! لنفترض مثلاً أن إحدى السيدات هجرت زوجها منذ 10 أعوام، إذا دخل زوجها منزلها واعتدى عليها جنسياً، فمن المفترض أن لا يحاسب لأن «عقد الزواج قائم بجميع مفاعيله»، والقانون اللبناني لا يحاكم المغتصب إذا كانت الضحية هي زوجته.
أما الإبطال، وبحسب القانون «فينهي عقد الزواج بمفعول رجعي ينسب إلى تاريخ انعقاده، وتكون نتائجه كافة، باطلة». وعندها، يضيف القانون «يعدّ الأولاد في حال وجودهم، غير شرعيين». ما يعني أن المحاكم الكاثوليكية مستعدة، ولتفادي «الشر» (أي الطلاق) أن تدّعي بأن الزواج لم يحصل من الأساس، وتسلب الأولاد شرعيتهم. واللافت في الأمر هو أن معظم الذين يطالبون بالطلاق لدى الموارنة والكاثوليك ويحصلون عليه، يطالبون فعلياً بـ«إبطال الزواج» لأنه ليس هنالك ما يعرف بالطلاق لدى الكاثوليك (راجع الإطار).
لكن القوانين تختلف بين طائفة وأخرى، لذلك بات شائعاً لجوء الموارنة والكاثوليك إلى مذاهب مختلفة من أجل الحصول على الطلاق. فالكنيسة الأرثوذكسية مثلاً تتمتّع بقوانين أقل تعقيداً وأكثر ليونةً، «نحن واقعيون» يصرّح إبرهيم سعد، وهو قاض في محكمة الروم الأرثوذكس. «إذا رأينا أنه لا مجال للصلّح، نمنح الثنائي مدة 3 أعوام». هذه «الواقعية»، لا ترضي كثيرين لا يستطيعون الانتظار 3 سنوات «الذين لا يريدون الانتظار يبدلون مذهبهم» يقول. ويؤكد أن الكنيسة تمنح الطلاق فوراً «عند الخيانة أي الزنا، أو عندما يكون الزواج بالإكراه، ولا نجبر المرأة على العيش مع زوجها إذا كان يعاملها بعنف».
في ظل هذا الواقع، بات يمكن الحديث عن ظاهرة «تعدّد الزيجات» في المجتمع المسيحي، نتيجة تبديل المذهب من أجل الطلاق. فبسبب تعدد قوانين الزواج في لبنان، يمكن المرء أن يتزوّج لدى الكاثوليك، ويطلّق لدى السريان، ثم يتزوّج لدى البروتيستانت ويطلّق من جديد، إلى أن يمرّ على مختلف المذاهب والأديان التي تستقبله. والطريف أنه، رغم تسجيل طلاقه ثم زواجه الثاني، يبقى متزوجاً في سجلات مذهبه الأساسي، لأنّه بدّل مذهبه قبل الحصول على الطلاق. وهذه إحدى المشاكل التي يعانيها المجتمع المسيحي، وسببها بحسب القاضي سعد «عدم التفاهم والاتفاق بين الطوائف المسيحية، ففي سبيل زيادة عدد أبناء الطائفة يسمحون للمواطنين بالاحتيال على القانون».
لكن هل تقع المسؤولية فعلاً على المؤسسة التي تستقبل المواطن، أم على تلك التي تتحكّم في خصوصياته وتحتكر حريته الشخصية؟ فكما يقول المطران جورج صليبا «الدين وضع لخدمة الإنسان، ليس الإنسان من وضع لخدمته». ويخلص في دراسة صدرت عام 2006 إلى أنه «إذا كان لا يمكن الجمع بين اثنين في محبة ووفاق، فهل من العدل والحكمة أن يبقيا معاً في حياة لا تطاق؟ فالطلاق هو شرّ، والعيش في جوّ من الحقد والكراهية وسوء التفاهم الدائم والتشنّج هو شرّ أيضاً، وفي هذه الحالات الشاذة يمكن اختيار أهون الشرين، وهو فسخ عقد الزواج أو ما يعرف بالطلاق».
ألا يمكن، والحال هذه، اللجوء إلى الزواج المدني بوصفه الحلّ الأنسب؟ يقول سعد إنه لا يعارض الزواج المدني الاختياري «فمن حقّ كل إنسان أن يختار طريقة زواجه، لماذا نجبر الملحد على إتقان ديانتنا وهو لا يؤمن؟ ليش عم نضحك ع بعض؟ ليس على الكنيسة أن تبارك هذه الجيزة، أو أن تتدخّل بها، فالمؤمن الحقيقي لا يخاف من الزواج المدني الاختياري، ومن يحاربه هو إنسان جاهل وقليل الإيمان». ومن الحلول الأخرى جعل الزواج المدني إلزامياً، حينها يستطيع المؤمن أن يتزوّج في الكنيسة، لكن يسجّل زواجه المدني في الدولة وتكون حقوقه وحريته محمية من تسلّط الدين عليها، ولا يستطع أو يجبر بعد ذلك على أن يتحايل على القانون.



يفسخ الزواج إذا...

عند التكلمّ عن فسخ الزواج، يشدد القانون على تطبيقه في واحدة من الحالات الثلاث التالية:
الزواج المقرر، وغير المكتمل، أي إنه «بعد انعقاده لم يتوّج بالحياة الزوجية المشتركة، وهو قابل للفسخ بطلب أحد الفريقين»، لكن عليه أن يستند إلى سبب صوابي «مثل الرغبة في الترهّب».
الحالة الثانية تدعى الإنعام البولسي، وهو «إذا رفض الزوج غير المعمّد، احترام إيمان عقيدة زوجته (أو العكس) بعد اعتناقها الكثلكة، وأصبح وجوده الزوجي مهدداً لهذا الإيمان، يجوز عندئذ فسخ الزواج»، وفي هذه الحالة يكون عقد الزواج قدّ جرى خارج سلطة الكنيسة الكاثوليكية.
أما الحالة الأخيرة، فهي الإنعام البطرسي، وتسمح فيها الكنيسة الكاثوليكية بإجراء عقد زواج بين كاثوليكي وغير معمّد، بعد أن يعد الفريق الكاثوليكي بعمادة الأولاد وتنشئتهم، فإذا رفض الفريق الآخر لاحقاً احترام الإيمان الكاثوليكي ولم يلتزم بشروطه، يتعرّض العقد للفسخ. وجميع هذه الحالات «محدّدة حصرياً، ولا يجوز التوسّع فيها ولا القياس عليها».