لم يملّ محمد صفا بعد من إحياء الأنشطة والمناسبات التي باتت بالنسبة إلى الكثيرين أقرب إلى الذكرى، هذا إن تذكرها البعض. يوم الأسير اللبناني في 14 تموز، يوم الأسير العربي في 22 نيسان، يوم المعلّم المعتقل في 7 تشرين الثاني، مناسبات يواظب صفا على إحيائها. صحيح أنها لم تعد بالفاعلية نفسها، إلا أنه يرى فيها ذاكرة حيّة ومجيدة بذلت فيها التضحيات، ويجب على الدولة أن تحتفل بها رسمياً بدلاً من أن تضحي أياماً عابرة.
يرى صاحب «مئة يوم في معتقل أنصار»، وقد وقّعه عام 1983 باسم مستعار، هو سعدون حسين، أن ملف الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية لم يقفل بعد. «لن يستطيع أيّ كان إقفال ملف المفقودين ما دام في إسرائيل رفات لأسير واحد» يقول صفا. الملف الذي يتابعه لم يعد يتعلق بالمفقودين في إسرائيل فحسب، بل يشملها ليطاول المفقودين في السجون السورية والعربية، فضلاً عن مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية. بناءٍ عليه، إن عمل «مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب» على ملف المفقودين لا ينحصر بإحياء ذكراهم؛ إذ يعقد صفا لقاءات شهرية مع أمهاتهم، حيث يقدم لهن المركز الرعاية الصحية والنفسية، وذلك قبل التداول بآخر المعلومات عن أبنائهن.
«هذا الملف سيبقى مفتوحاً؛ لأن لبنان يعيش اقتتالاً طائفياً كل فترة»، يشير صفا الذي طلبت الأمم المتحدة من مركزه تقديم وثيقة شاملة عن اختفاء شبلي العيسمي. هل تعاونه أجهزة رسمية في هذه المهمّة؟ «بالطبع لا. لا يريد أيّ من أركان السلطة اللبنانية فتح هذا الملف، كذلك لا إرادة سياسية بحلّه؛ إذ كيف لقوى سياسية مارست أعمال التهجير والخطف والقتل ثم أمسكت بالسلطة أن تعترف بفعلتها؟» يجيب صفا.
بأي حال، ثمة مهمات صعبة سعى إلى إنجازها، لكنه لم يستطع لتواضع قدراته. «توثيق التجربة النضالية» ما زال حلمه الذي لم يتحقق. فهذه التجربة «تحتاج إلى إنشاء مؤسسة كاملة لتوثيقها. تجربة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود مع الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان في عام 1978، لن نتمكن وحدنا من القيام بها. إلا أننا كمركز نملك آلاف الوثائق التي دونتها بخطّ اليد والتي تمثّل مرجعاً ضخماً إذا تقرّر الخوض في مشروع التوثيق، وخصوصاً بعد تدمير معتقل الخيام في تموز 2006».
من «لجنة التضامن مع معتقلي أنصار»، مروراً بـ«لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية»، وصولاً إلى مركز الخيام، تاريخ مديد يتذكره صفا بتفاصيله، وخصوصاً أنه أسهم في إعطاء قضية المعتقلين الزخم الرسمي والشعبي، بعدما كانت منسية. يذكر كيف ناضل حتى دخل الصليب الأحمر إلى معتقل الخيام في عام 1995، وهو الإنجاز الأول له؛ إذ أتاح دخول الصليب الاحمر إلى المعتقل تبادل الرسائل بين المعتقلين وعائلاتهم في المرحلة الأولى، وصولاً إلى السماح لأهالي الأسرى بزيارة أبنائهم مرة أسبوعياً.
«نحن أيضاً مقاومة إعلامية ودبلوماسية حرّرت أسرى من خلال التعاون مع منظمات حقوقية وإنسانية دولية»، يقول صفا الذي تابع قضية الأسرى المحررين وأسهم في تشريع قضيتهم، فأعفي أولادهم من رسوم التسجيل في المدارس الرسمية ووظف بعضهم في الوزارات.
لم ينته النضال بعد التحرير، فأسس بيت الأسير في الجنوب، وبات مندوبو «مركز الخيام» يدخلون إلى السجون اللبنانية ويقدمون الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية للسجناء والسجينات. كذلك إن نيل مركز الخيام الصفة الاستشارية من الأمم المتحدة، أصبح يسمح له بدخول الأمم المتحدة وإقامة الندوات ورفع التقارير عن أوضاع السجون والمعتقلين والمفقودين. «صرنا ندخل مكاتب الأمم المتحدة من دون إذن بعد صراع طويل. الإسرائيليون منزعجون جداً!».