قبل أربع سنوات وصل تمثال بوذا من الهند إلى لبنان. شحنه المخرج سيلفيو تابت، ووضعه في عقار خاص به، في أعالي جبل بسكنتا في المتن، من هناك، يطلّ بوذا على سلسلة جبال كسروان وجزء من بيروت والبحر، بعيداً نحو 100 متر عن كنيسة مار يوسف الأثرية، وعن أطول صليب مضاء في العالم. طبعاً من السهل رؤية الصليب، فهو يحتلّ الجبل بحجمه وضخامته، ويجذب إليه المؤمنين والسياح من بعيد. وقد جرى العمل عليه بين عامي 2008 و2010، وهو «مصنوع من فولاذ مستورد خصيصاً من فرنسا، ومجهز للزواعق والثلج» بحسب خوري الكنيسة الأب فريد ضومط. أما بوذا فقد نحت بدقة، خلال عامين أيضاً، على يدّ فنان هندي لكي يجلس وحده خلف تلة، بعيداً عن الأنظار وعن العالم. يجلس بوذا مسالماً. لا يتحدث مع أحد، وإن كانت بوابته مفتوحة دائماً لاستقبال الزوّار.

لكنه رغم ذلك، يعاني رفضاً واضحاً من قبل بعض أهالي المنطقة والزوّار. من السيدة العجوز التي تعبس عند ذكر التمثال، وتقول إنه لو كان باستطاعتها تفجيره لفعلتها، إلى أصحاب السبراي الملوّن الذي ساهم في تشويه التمثال. من الواضح أن عدداً من أهالي المنطقة لم يتقبلوا وجود «شيء غريب»، كما وصفه الأب فريد. لهذا أصبحت عادة الشباب رشقه بالحجارة، ومحاولة تشويهه بأي طريقة ممكنة. وتظهر بسبب هذه الأفعال علامات «قلة الاحترام» على التمثال الذي فقد يده اليمنى من الكتف، وبعض الأصابع من يده الأخرى، كما أن وجهه مشوّه تماماً من الضرب والرشق بالحجارة المستمر. وإذا عجز الشباب عن التعبير عن آرائهم بوضوح من خلال تكسيره وإطلاق النار عليه، يستعينون بالسبراي الأسود والأحمر لكي يزيّنوه بشعاراتهم الحزبية والدينية، وبعض الشتائم.
يدافع الأب فريد عن أهل المنطقة، مؤكداً أن رعيته تحترم جميع الأديان والآراء قائلاً «نحن نشجع العيش المشترك واحترام الآخر»، مبعداً «التهمة» عن أبناء منطقته بالقول: «من قال إن المشاغبين من هنا؟ قد يكونون غرباء». ويركّز حديثه على الصليب، فيعدّد عناصره، من نوعية الحديد المستعملة وكمية الباطون، إلى عدد البروجيكتورات التي سيتم تركيبها، بالإضافة إلى مخطط بناء كنيسة في حوضه، مع التشديد على ذكر طوله وعرضه أكثر من مرة. ويوضح أنه «مستعد لاستقبال جميع الناس، مهما كانت جنسياتهم أو ديانتهم... وهو اليوم موقع مهم جداً للمسيحيين في الشرق وسوف يزوره البابا عند مجيئه». أما عن الهدف من المشروع فيوضح «بالتأكيد نحن لم نبنه بدافع الاستقطاب السياحي بل لأسباب روحية فقط».
وفي حين يزداد زوّار الصليب يومياً، خصوصاً أيام الآحاد، وقد نظمت بعض الأعراس والعمادات في ساحته، لا يزور بوذا إلا المشاغبون. يقول صاحب التمثال سيلفيو تابت إنه لم يتوقع ردّة الفعل العنيفة هذه. موضحاً أنه لم يحضره إلى لبنان بدافع ديني «التمثال يلهمني، أنا فنان أحتاج لتحف فنية تلهمني. وقد وضعته حيث كان من المفترض أن أبني منزلي، لكنني انشغلت ولم تتح لي الفرصة لكي أبدأ بالمشروع بعد». مضيفاً: «لقد اخترت الموقع في بسكنتا لأنه قريب من الكنيسة الصغيرة حيث أردت أن أصلّي، ولم أكن أعرف بمخطط الصليب عندها». تابت يسامح الذين شوّهوا التمثال، فهم «فعلوا ذلك عن جهل». ويضيف مبتسماً «ما الهدف من الغضب؟ بوذا يمثّل السلام، لا ينفع الكره والحقد، عندما تتصرف مع الناس بمحبة، تتلقى محبة بالمقابل».
لكن بوذا لم يتلق أي محبة أو احترام، إلا من بعض الزوّار الذين يتأملونه من بعيد، ومن بينهم شربل الذي أتى من زحلة لكي يزور الصليب، وفوجئ بحالة التمثال. يقول: «يجب معاقبة المشاغبين. هذا التصرّف قلة احترام للدين البوذي، إذا ذهبت إلى سيريلانكا ترى تماثيل لبوذا بقرب صلبان دائماً، وهو منظر جميل جداً».
ربما يكون بوذا، وطوله متران، يشكّل خطراً على أطوال صليب مضاء في العالم والذي يعلو 80 متراً عن سطح الأرض، أو تكون ردة الفعل التي ووجه بها محاولة لحماية الوجود المسيحي في بسكنتا، رغم عدم وجود أي بوذي في المنطقة!