أكدت دراسات عالمية أن سوق صناعة السيارات تعاني أزمة ثقة حقيقية، أما السبب فهو استدعاء آلاف السيارات شهرياً من كبريات الشركات نتيجة اكتشاف عيوب تصنيعية، بعضها يهدد حياة المستهلكين. أزمة الثقة هذه تؤرق شركات صناعة السيارات في العالم، وتشكل تحدياً فعلياً للسلطات المحلية حول إيجاد آليات تتبع للعيوب المتزايدة باطراد. لكن هذا التحدي بعيد عن هموم السلطات اللبنانية، وكذلك عن اهتمامات المستهلك اللبناني.
فقد نشرت في الأشهر الثلاثة الماضية تقارير متتالية وزعها عدد من الشركات العالمية، بعضها يدعو الى سحب آلاف السيارات لخطورة إبقائها في الأسواق، وبعضها الآخر يستدعي أصحاب السيارات التي تشوبها عيوب لإجراء تصليحات عليها. حصيلة أرقام السيارات المعلن سحبها أو إجراء تعديلات عليها وصل الى حوالى مليون و227 ألف سيارة، وللسوق اللبنانية حصة كبيرة منها.
المخيف، أن بعض هذه العيوب يعود الى سيارات صُنّعت منذ سنوات، وتم اكتشافها حديثاً، وبالتالي دخلت الى لبنان كسيارات مستعملة. في حين أن عدداً كبيراً من السيارات يدخل الى لبنان عبر الشحن المباشر من الأسواق العالمية، وأخرى عبر بعض الوكلاء. وفي ظل عدم وجود آلية لتتبع حركة بيع السيارات في لبنان، ومع ضعف ثقافة تتبع تاريخ السيارات لدى المستهلك اللبناني، يصبح عدد من السائقين خارج إطار التبليغ عن الأعطال، وداخل دائرة الخطر.
قبل يومين، أعلنت شركة «جنرال موتورز» سحب حوالى 250 ألف سيارة رياضية بعد اكتشاف وجود مشكلة كهربائية يمكن أن تحدث حرائق فيها. ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن الإدارة الوطنية لسلامة النقل على الطرقات السريعة أن الشركة ستسحب قرابة 250 ألف سيارة صنّعت بين عامي 2006 و2007 من بعض الولايات الأميركية. والسيارات من طراز «شيفروليه ترايل بلايزر» و«جي إم سي إنفوي» و«بويك راينر» و«ساب» و«إيسوزو». وأوضحت الشركة أن العطل التصنيعي يتجلى في سائل يدخل إلى باب السائق، ما يحدث تآكلاً يمكن أن يتسبب بمشكلة كهربائية، وبالتالي حرائق في السيارات.

سوق السيارات المستعملة

يشرح رئيس نقابة أصحاب معارض السيارات المستعملة في لبنان وليد فرنسيس أن هذه السيارات المصنّعة في مثل هذه التواريخ موجودة بالتأكيد في سوق السيارات المستعملة في لبنان. إلا أنه يؤكد أنه حتى اليوم «لم نسمع بوجود أي مشكلة اشتعال أو حريق في هذه السيارات نتيجة هذه العيوب». ويشير الى أن أصحاب السيارات التي تعاني مشاكل تصنيعية في الدولة المصنّعة يفضلون إعادة هذه السيارات الى المصنع لاستبدالها بدلاً من بيعها الى التجار، سواء كانوا لبنانيين أو غير لبنانيين. كما يلفت الى أن المصانع تكتشف العيوب عادة خلال عام من تصنيع السيارة، في حين أن المستوردين اللبنانيين يشترون سيارات عمرها 4 إلى 5 سنوات، وبالتالي تكون قد «قطعت» فترة اكتشاف العيوب. ويقرّ فرنسيس بأنه لا توجد آلية لتتبع حركة بيع السيارات المستعملة في لبنان، وبالتالي ما من طريقة يمكن الوصول عبرها الى أصحاب هذه السيارات لإبلاغهم بالعيوب والأعطال التصنيعية إن وجدت.
وإذا كان تجار السيارات المستعملة يعتبرون أن لا مشكلة من هذا النوع في لبنان، فإن أزمة التصنيع تطال السيارات الحديثة الصنع، لا بل توجد سيارات طرحت في عدد من الأسواق العالمية ومن طراز عام 2013 تبين أنها تعاني عيوباً تصنيعية. فكيف يتم السيطرة على هذه الظاهرة في لبنان؟ وقد شهد شهرا حزيران وتموز الماضيان وآب الجاري عمليات سحب متواصلة لعدد من السيارات والطرازات المختلفة من الأسواق العالمية. ففي 23 حزيران الماضي، أعلنت شركة «جنرال موتورز» أنها ستسحب 475148 سيارة من طراز «شيفروليه كروز» إنتاج عامي 2011 و2012 من بعض الأسواق الأميركية بسبب خلل في المحرّك قد يؤدي إلى اشتعاله. وفي 19 تموز، أعلنت شركة «فورد» أنها قررت استدعاء 11500 سيارة رياضية جديدة من طراز «فورد اسكيب» 2013 مزودة بمحرك سعته 1.6 لتر، وطلبت من السائقين التوقف فوراً عن قيادتها بسبب خطر اشتعال المحرك. وفي 3 آب الماضي، أعلنت شركة «تويوتا» اليابانية أنها ستستدعي 778 ألف سيارة بيعت في الولايات المتحدة بسبب خلل ميكانيكي، ويطال الاستدعاء خصوصاً موديلات بين عامي 2006 ومطلع 2011.
وفي 9 آب، أعلنت شركة «ميتسوبيشي موتورز» عن سحب 261 سيارة من طراز «آي. ام. آي. إي. في» موديل عام 2012 من الولايات المتحدة بسبب احتمال وجود عيوب في الوسائد الهوائية الأمامية والجانبية. وفي 16 آب، أعلنت مجموعة «كرايسلر» أنها تستعد لاستدعاء 1661 سيارة «دودج دورانجو» من طراز 2013 بسبب احتمال عدم انفتاح الأكياس الهوائية في حالة وقوع حادث.

وكلاء السيارات الجديدة

يوضح رئيس جمعية تجار السيارات الجديدة سمير حمصي أن العيوب التصنيعية طالت خلال الفترة الماضية حوالى 36 موديلاً من السيارات. ولفت الى أنه «في كل يوم يتم الإعلان عن خلل في تصنيع سيارة ما، وأن وكلاء الشركات في لبنان يبلغون أصحاب السيارات لإجراء الإصلاحات اللازمة عليها، حتى لو مضى على شراء السيارة 20 عاماً». لكن في بعض الأحيان، تطلب الشركات الأم سحب السيارات من السوق نهائياً، فماذا يفعل الوكلاء اللبنانيون؟ يؤكد حمصي أنه لم يتم سحب أي طراز حتى اليوم من السوق، «فالشركات تطلب استدعاء السيارات الى مرأب الوكلاء لإجراء التصليحات اللازمة». وعلى رغم التقارير العالمية التي تشير الى وجود أزمة ثقة بصناعة السيارات في العالم، يؤكد حمصي أن وتيرة العيوب التصنيعية، على كثرتها، تعتبر طبيعية، لافتاً الى أن عمليات استدعاء السيارات هي لحفظ حقوق المستهلكين، والوكلاء في لبنان يتابعونها بجدية.
وأشار حمصي الى أن شراء السيارات الجديدة مباشرة من الأسواق العالمية الى لبنان يحرم المستهلكين من تتبع الإشكالات الطارئة على السيارات، التي يتم اكتشافها لاحقاً.



45 في المئة

هي نسبة الخلل في التقنيات التكنولوجية الحديثة التي تتزود بها السيارات منذ عام 2006 حتى اليوم، وذلك بحسب دراسة أجرتها شركة «جي دي باور» منذ أشهر. ووفق الدراسة، تعتبر هذه التقنيات أحد أكبر مصادر العيوب في السيارات الحديثة الصنع



نصف السيارات المستعملة «مضروبة»!

أشار المزوّد الرئيسي لتقارير الـCARFAX في الشرق الأوسط، هشام جمال، الى أنه عند سحب السيارة من السوق يطلق عليها عبارة lemon، وهذا النوع من السيارات يعاني مشكلات ميكانيكية تهدد سلامة السائقين. وأوضح أنه في الولايات المتحدة يتم إعلام المستهلك عن وجود العيب التصنيعي، وله الخيار بإصلاحها أو إعادتها الى الشركة. في حين أن الشركات غير ملزمة باسترداد السيارات التي تعاني عيوباً غير خطرة. ولفت الى أن 50% من السيارات المستعملة في لبنان «مضروبة»، و5% تعاني عيوباً في التصنيع، و70 إلى 80% منها يجري التلاعب بعدّاد الكيلومترات فيها.